Читать онлайн книгу "مـــصــيــر الـتـنـــانـيــــن"

مـــصــيــر الـتـنـــانـيــــن
Morgan Rice


طوق الساحر #3
عر تور بالارتياح للتخلص منهم ولكنه كان خائفاً من الذي أمامه. كان كروهن يأن حينما أصبح جسد تور غارقاً في المياه المتجمدة, وأصبح العالم حوله ضبابياً, أمسك بصاري السفينة لينقذ حياته, كما فعل الصبية الآخرون حوله. خلال لحظات غمرته المياه, لقد رش بشكل قوي حيث قذف عبر السفينة, حاول الامساك بشيء , لكنه لم يستطع, حين فقد قواه انزلق على طول سطح السفينة, والمياه تملأ عينيه وأذنيه وأنفه, بينما كان يحاول استرجاع توازنه والتنفس, والماء يملأ رئتيه, لم يكن يستطيع أن يفعل شيئاً إلا أن يتساءل, إذا كانت هذه المياه خطرة جداً بالنسبة للإمبراطورية, فأي نوع من المخلوقات يمكن أن يكمن وراءه؟

حلقة الساحر تملك كل المقومات لتحقيق النجاح الفوري....

مصير التنانين (الكتاب الثالث في سلسلة طوق الساحر) يأخذنا إلى أعماق رحلة تور الملحمية ليصبح محارباً, عندما يسافر عبر بحر النار إلى جزيرة التنين. إلى مكان لا يرحم, موطن أقوى المحاربين في العالم, يعمق تور قدرته وقواه في هذا التدريب. يعمق صداقاته أيضاً, حيث يواجهون المحن معاً, مصاعب أبعد مما كانوا يتخيلونه. ولكن حين يجدون أنفسهم في مواجهة وحوش لا يمكن تصورها, يتحول تدريب المئة يوم إلى مسألة حياة أو موت. لن ينجوا جميعهم.

على طول الطريق, أحلام تور, ولقاءاته الغامضة مع أرجون, سوف تستمر في إزعاجه, وتضغط عليه ليحاول معرفة المزيد عن أمه, وما هو مصدر قوته. وما هو مصيره!

بالعودة إلى الطوق, تزداد الأمور سوءاً أكثر بكثير. بينما سُجن كندريك, تجد جويندولين أن هذا يفرض عليها إنقاذه, انقاذ الطوق من أخيها غاريث. تلاحق أدلة مع أخيها غودفري عن قاتل والدها, ويصبحان أقرب بكثير في الطريق لذلك, متحدين في قضيتهم. لكن جويندولين تشعر بالخطر الذي يزداد عليها كل ما تعمقت في ذلك أكثر, ومن الممكن أن يكلفها ذلك غالياً.

يحاول غاريث إخراج السيف ويتعلم ما يعنيه أن تكون ملكاً, ويصبح في حالة سكر بسبب إساءته استخدام السلطة. يحكم غاريث بلا رحمة, ويصيبه جنون العظمة. كما يشدد الخناق على قاتل الملك, يهاجم الماكلاود الطوق في العمق, ويصبح البلاط الملكي في حالة غير مستقرة على نحو متزايد.

تعلق جويندولين الآمال على عودة تور, تحلم بأن يكونوا معاً مرة أخرى, وأن يزهر حبهم من جديد. ولكن مع المخاطر التي ستكون في طريقهم, هناك شك بأن يكون لديهم فرصة لأي من ذلك.

هل سيتمكن تور من البقاء على قيد الحياة؟ هل ستنهار المملكة؟ هل سيعثر على قاتل ماكجيل؟ هل سيعود تور و جويندولين معاً؟ هل سيعلم تور أخيراً سر مصيره؟

بتطورات هذه القصة الخيالية وخلق شخصياتها, مصير التنانين هي حكاية ملحمية عن الأصدقاء والمحبين, للمنافسين والخاطبين, للفرسان والتنانين, للمؤامرات والمكائد السياسية, عن بلوغ سن الرشد وعن القلوب المكسورة والخداع والطموح والخيانة. إنها حكاية شرف وشجاعة, عن القضاء والقدر وعن الشعوذة. هو الخيال الذي سينقلنا إلى عالم لن ننساه أبداً وسيجذب جميع الأعمار والأجناس.







مـــصــيــر الـتـنـــانـيــــن



( الكتاب الثالث في سلسلة "طوق الساحر" )



مورغان ريس



ترجمة: محمد أويس ذو الغنى


عن الكاتب مورغان رايس



مورغان رايس هو مؤلف الكتاب الأكثر مبيعا "مجلة مصاصي الدماء " وهي سلسلة شباب بالغين تتألف من أحد عشر كتاباً (و النشر مال زال مستمراً); # 1 السلسلة الأكثر مبيعا "ثلاثية البقاء" وهي قصة رعب رهيبة تضم كتابين (و النشر مال زال مستمراً); و # 1 السلسلة الأكثر مبيعا ملحمة الخيال "طوق الساحر" تضم ثلاثة عشر كتاباً (و النشر مال زال مستمر).

كتب مورغان متوفرة في إصدارات مسموعة ومطبوعة, وتتوفر باللغات الألمانية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية واليابانية والصينية والسويدية والهولندية والتركية والمجرية والتشيكية والسلوفاكية (مع المزيد من اللغات قريباً).

(كتاب # 1 في مجلات مصاص الدماء ) السعي من أجل البطولة, ( كتاب رقم 1 في طوق الساحر) كلاهما متاحان للتنزيل مجاناً على متجر سوق بلاي !

مورغان يحب أن يسمع منك, لذلك لا تترد في زيارة www.morganricebooks.com (http://www.morganricebooks.com) للانضمام إلى قائمة البريد الإلكتروني لديه والحصول على الكتب مجاناً و تلقي الهدايا, قم بتحميل التطبيق مجاناً واحصل على آخر الأخبار الحصرية. تواصل معنا عبر الفيسبوك و تويتر وابقى على اطلاع بكلّ جديد !


بعض التعليقات المختارة عن مورغان رايس



"سلسلة "طوق الساحر" لديها كل المقومات لتحقيق النجاح :المؤامرات و المؤامرات المضادة و الغموض و الفرسان الشجعان و العلاقات المزدهرة التي تملئ القلوب المكسورة, الخداع و الخيانة. سوف تقدم لك الترفيه لكثيرٍ من الوقت, وستتناسب مع جميع الأعمار. أوصي بوضعها في المكتبة الدائمة لجميع قرّاء القصص الخيالية."

-- ناقد الأفلام والكتب: روبرتو ماتوس.

"رايس يقوم بعمل عظيم بجذبكم للقصة من البداية, باستخدام نوعية تصويرية رائعة تفوق مجرد لوحة العرض... مكتوبة بشكل رائع و يمكن قراءتها بسرعة "

-- الناقد بلاك لاجون (بخصوص الصياغة)

"إنها قصة مثالية للقرّاء الشباب. مورغان رايس قام بعمل جيد بنسج التحول بشكلٍ مثير للاهتمام... منعش وفريد من نوعه. السلسلة تركز حول فتاة واحدة. ..فتاة واحدة غير عادية... سهلة القراءة لكن وتيرتها سريعة للغاية... تقييم PG "

-- The Romance Reviews ( (بشأن تغير الأحداث).

"جذبت انتباهي منذ البداية ولم أستطع التوقف حتى أكملتها... هذه القصة هي حكاية مذهلة ذات إيقاعٍ سريع و مليئة بالأحداث منذ البداية. لا يمكنك إيجاد أيّ أحداث تشعرك بالملل."

-- Paranormal Romance Guild (بشأن تغير الأحداث).

"القصة المليئة بالأحداث, الرومانسية و المغامرة و التشويق. سوف تضع يدك على قلبك أثناء قراءتها و ستقع في الحب من جديد."

-- vampirebooksite.com (بشأن تغير الأحداث).

"مؤامرة كبيرة فهذا هو النوع من الكتب الذي يجعلك لا تستطيع أن تتركه حتى تقوم بإنهائه. النهاية دائماً مشوقة و مذهلة و تجعلك تريد فوراً شراء الكتاب التالي من أجل أن ترى ما الذي سيحصل."

-- The Dallas Examiner (بشأن الحب).

"كتاب منافس لكتب TWILIGHT و VAMPIRE DIARIE, و أحد القص التي من شانها أن تجعلك ترغب في القراءة حتى الصفحة الأخيرة. إذا كنت من محبيّ المغامرة و مصاصي الدماء فهذا الكتاب مناسبٌ جداً بالنسبة لك."

-- Vampirebooksite.com (بشأن تغير الأحداث).

"يثبت مورغان ريس نفسه مرةً أخرى بأنه أحد الروائيين الموهوبين للغاية... و هذا يستقطب مجموعةً كبيرةً من الجمهور, بما في ذلك المتابعين المراهقين لهذا النوع من الخيال و مصاصي الدماء. تنتهي بتشويق غير متوقع يتركك بصدمةٍ كبيرة."

--The Romance Reviews (بشأن الحب)








طوق الساحر



السعي من أجل البطولة (1)

مسيرة الملوك (2)

مصير التنانين (3)

صرخة شرف (4)

قَسم الشرف (5)

ثمن الشجاعة (6)

طقس السيوف (7)

هبة الأسلحة (8)

سماء السحر (9)

بحر الدروع (10)

عهد الفولاذ (11)

أرض النار (12)

حكم الملكات (13)



ثلاثية البقاء



الميدان الأول (1)

الميدان الثاني (2)



يوميات مصاص دماء



التحول (1)

الحب (2)

الخيانة(3)

القدَر(4)

الأمل (5)

الوعد بالزواج (6)

المنذور(7)

الموجود (8)

البعث (9)

الشهوة (10)

القدر المحتوم (11)


حقوق التأليف والنشر © 2012 من قبل مورغان رايس, جميع الحقوق محفوظة. باستثناء ما هو مسموح به بموجب قانون حقوق النشر الأمريكي لعام 1976, لا يجوز نسخ أي جزء من هذا المنشور أو توزيعه أو نقله بأي شكل أو وسيلة, أو تخزينه في أنظمة التخزين واسترجاع البيانات دون الحصول على إذن مسبق من المؤلف. تم ترخيص هذا الكتاب الالكتروني لتسليتك الشخصية فقط . لا يجوز إعادة بيع أو منحه إلى أشخاص آخرين. إذا كنت ترغب في مشاركة هذا الكتاب مع شخص آخر يرجي شراء نسخة إضافية لكل مستلم. إذا قرأت هذا الكتاب دون شرائه أو لم يتم شرائه لاستخدامك الخاص فقط, يرجى إعادته وشراء نسختك الخاصة. أشكرك على احترام العمل الشاق لهذا الكاتب. هذا عمل خيالي. الأسماء والشخصيات والمؤسسات والأماكن والأحداث والحوادث إما هي نتاج خيال المؤلف أو تم استخدامها وهمياً. وأي تشابه مع أشخاص حقيقين, أحياء أو أموات, هو من قبيل الصدفة تماماً. حقوق طبع ونشر صورة غلاف الكتاب من قبل RazoomGame, وتستخدم بموجب ترخيص من Shutterstock.com.


المحتويات



الفصل الأول (#ubb9d8a81-703e-57c1-bf03-9a4f6ecc13b2)

الفصل الثاني (#u1b76de9e-50ea-5053-b8d5-242c618737dd)

الفصل الثالث (#ud345bab0-e1bf-5409-be55-fbc3e34a8443)

الفصل الرابع (#u4310ca02-a9db-5850-818d-3014c068f95f)

الفصل الخامس (#u2725a2b0-2c00-5594-9bfa-f57355f861c5)

الفصل السادس (#u8c5f2d69-e39a-5f32-be1c-7d4d41d39b36)

الفصل السابع (#ue569016b-ff5d-53e8-b979-ca74dc4ff634)

الفصل الثامن (#u550490e2-bb6d-5d04-9952-a3b1917f0a18)

الفصل التاسع (#uaacdb802-3082-5446-8897-03ea17cca1ee)

الفصل العاشر (#u9f5ca2e6-8898-57f9-a202-f3fbd56a4d71)

الفصل الحادي عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الثاني عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الثالث عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الرابع عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الخامس عشر (#litres_trial_promo)

الفصل السادس عشر (#litres_trial_promo)

الفصل السابع عشر (#litres_trial_promo)

الفصل الثامن عشر (#litres_trial_promo)

الفصل التاسع عشر (#litres_trial_promo)

الفصل العشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الحادي والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الثاني والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الثالث والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الرابع والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الخامس والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل السادس والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل السابع والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الثامن والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل التاسع والعشرون (#litres_trial_promo)

الفصل الثلاثون (#litres_trial_promo)

الفصل الحادي والثلاثون (#litres_trial_promo)




الفصل الأول


اندفع الملك ماكلاود إلى أسفل المنحدر, يجتاز المرتفعات, نحو جانب مملكة ماكجيل من المرتفعات, ومئات الرجال يندفعون وراءه وهو يجري على حصانه نحو أسفل الجبل. أمسك ماكلاود سوطه, رفعه في الهواء وأنزله بقوة على جلد حصانه, لم يكن حصانه يحتاج إلى الدفع ولكنه يحبّ أن يجلده بكل الأحوال. كان يتمتع بإلحاق الألم بالحيوانات.

سال لعاب ماكلاود حين نظر إلى المشهد أمامه, قرية من مملكة ماكجيل, قرية مثالية, رجالها في الحقول والنساء في المنزل, والملاءات منتشرةٌ على الحبال, كان أهلها بالكاد يرتدون الملابس في هذا الجو الصيفي. كانت أبوب المنازل مفتوحة والدجاج منتشر بحرية هنا وهناك, والقدور تغلي بطعام العشاء. كان يفكر بالأضرار التي سيسببها لهم, وكم سيكسب من نهبه هذه الأرض, والنساء التي سيسبب لها بالألم, وبينما كان يفعل ذلك, كانت ابتسامته تتسع. شعر بأنه يتذوق الدم الذي يستعد لسفكه.

اندفعوا بقوة أكبر, خيولهم تهدر مثل الرعد, ينتشرون نحو ريف المملكة. وأخيراً, لاحظ أحدٌ ما ذلك, حارس القرية. كان جندياً يثير الشفقة, صبي في سن المراهقة, يحمل حربة صغيرة, وقف والتفت إلى صوت هدير أحصنتهم. استطاع ماكلاود أن ينظر إلى عينيه جيداً, ويرى الخوف والهلع في وجهه. في هذه البؤرة النائية, لم يسبق لمثل هذا الصبي رؤية معركةٍ في حياته. كان غير مستعد أبداً.

لم يضيّع ماكلاود دقيقة واحدة, كان يريد أن يبدأ بالقتل, كما كان دائماً في المعارك. كان رجاله يعرفون تماماً ما يريد.

جلد حصانه مرة أخرى حتى صهل وازدادت سرعته, مبتعداً عن الآخرين. رفع رمح أجداده الذي كان من الحديد الثقيل, رجع إلى الخلف, ثم ألقاه بقوة.

وكما جرت العادة, كان رمحه يصيب دائما, بينما كان الصبي يلتفت اخترق الرمح ظهره, ملقياً به نحو الشجرة مع ضوضاء مخيفة. سال الدم من ظهره وكان ذلك كافياً لإسعاد ماكلاود.

أخرج ماكلاود صرخة فرحٍ قصيرة بينما تابعوا الهجوم, نحو جميع أنحاء أرض ماكجيل, عبر سيقان الذرة الصفراء التي تتمايل في الريح, والتي غطت حتى فخذي فرسه, اتجهوا نحو بوابة القرية. كان يوماً جميلا جداً, صورة جميلة للغاية, على وشك أن يدمروها.

اندفعوا نحو بوابة القرية غير المحمية, كان مكاناً غبياً بما يكفي ليكون موقعه على مشارف مملكة ماكجيل. كان من المفترض أن يكون محمياً أكثر من ذلك, فكر ماكلاود بازدراء, بينما كان فأسه يتأرجح بيده و يقطع لافتة اسم المكان الخشبية. سيعيد ماكلاود تسميتها قريباً.

اقتحم رجاله المكان, واندلعت صرخات النساء والأطفال وكبار السن من حوله, ومن كل من كان يسكن هذا المكان البائس. ربما كان هناك مئات الأرواح السيئة الحظ, وكان ماكلاود مستعداً لجعلهم جميعا تعساء بما فيه الكفاية..

رفع ماكلاود فأسه عالياً وركز على امرأةٍ واحدةٍ على وجه الخصوص, ركضت المرأة وظهرها له, محاولة الوصول إلى منزلها لتنجو بنفسها. ولكنها لم تستطع.

ضربها فأس ماكلاود في الجزء الخلفي من ساقها, كما كان يريد, ثم وقعت على الأرض مع زعقةٍ قوية. لم يكن يريد قتلها, كان يريد تشويهها فقط. في النهاية, كان من دواعي سروره أن تكون على قيد الحياة مع الألم الذي سببه لها. لقد اختارها بعد تفكير جيد, كانت امرأة طويلة, بشعر أشقر جامح ووركين ضيقتين, كانت بالكاد فوق سن الثامنة عشر. ستكون له. وربما حين ينتهي منها سيقتلها. أو ربما لا, ربما كان سيبقيها عبدة له.

صرخ في بهجة بينما كان يتجه نحوها وقفز من فوق حصانه, ونزل فوق جسدها, محتجزا الفتاة على الأرض. تدحرج معها على التراب, وهو يشعر بحجارة الطريق, ابتسم حين شعر أنها ترغب في أن تكون على قيد الحياة.

أخيراً, كان للحياة معنىً مرة أخرى.




الفصل الثاني


وقف كندريك في وسط الجو المشحون, داخل قاعة الأسلحة, محاطاً بالعشرات من إخوته, كل أعضاء الفضة, ينظرون بهدوء إلى دارلوك, قائد الحرس الملكي الذي قد أرسل في مهمة تعيسة. بماذا كان يفكر دارلوك؟ هل يعتقد حقاً أن بإمكانه السير إلى قاعة الأسلحة ومحاولة اعتقال كندريك, أكثر أفراد العائلة المالكة شعبية, وكل ذلك أمام إخوته في السلاح؟ هل كان يعتقد حقاً أن الآخرين سيقفون جانباً مكتوفي الأيدي ويسمحون له بذلك؟ لقد قلل كثيراً من شأن ولاء أعضاء فرقة الفضة لكندريك. حتى لو جاء دارلوك مع مرسوم شرعي لاعتقاله, والأمر طبعاً لم يكن كذلك, لقد كان كندريك يشكّ في أن يسمح إخوته باقتياده بعيداً. لقد كانوا أوفياء في الحياة, وأوفياء في الموت. كانت هذه عقيدة الفضة. كان سيتصرف بنفس الطريقة لو أنّ أيّاً من إخوته كان مهدداً. في النهاية, لقد كانوا يتدربون سوياً, ويقاتلون معاً, طيلة حياتهم.

كان كندريك يشعر بالتوتر الذي كان معلقاً بصمت المكان, وأفراد الفضة قد حملوا أسلحتهم في وجه عشرات من الحرس الملكي, الذين كانوا يقفون وينظرون بعدم ارتياح. لا بد أنهم كانوا على علم أنه سيكون هناك مجزرةٌ إذا حاول أحد منهم تحريك سيفه, وبحكمة, لم يحاول أحد منهم ذلك. وقف جميعهم هناك, ينتظرون أمراً من قائدهم.

كان دارلوك ينظر بقلقٍ وتوتر, لقد أدرك أن مهمته ميؤوس منها.

"يبدو أنك لم تأتي بما يكفي من الرجال," ردّ كندريك بهدوء, مبتسماً. "عشرات من حرس الملك ضد مئة من الفضة, هذه معركةٌ خاسرة."

بدا وجه دارلوك شاحباً جداً, تنحنح قليلاً.

"سيدي, نحن جميعنا نخدم المملكة نفسها, لا أرغب في القتال ضدكم. أنت على صواب, هذه معركة لن نتمكن من الفوز بها. إذا أمرتنا, فإننا سوف نترك المكان ونعود إلى الملك."

"ولكن أنت تعرف أن غاريث سيرسل المزيد من الرجال إليك, رجالاً مختلفون. وأنت تعرف إلى أين سيؤدي هذا, ربما ستستطيع قتلهم جميعاً. ولكن هل تريد حقاً أن تتلطخ يداك بدم إخوتك؟ هل تريد حقاً إشعال حرب أهلية؟ بالنسبة لك, فإن رجالك سيعرضون حياتهم للخطر من أجلك. وسيقتلون أي شخص. ولكن هل هذا منصف لهم؟"

حدّق كندريك, وهو يفكر بكل هذا. كان دارلوك محقاً, لم يكن يريد لأحد من رجاله أن يتأذى بسببه. كان يشعر برغبةٍ عارمةٍ لحمايتهم من سفك الدماء, مهما كان ذلك يعني له. ومهما كان أخاه غاريث مروعاً, ومع أنه حاكم سيء, لم يرد كندريك إشعال حربٍ أهلية, على الأقل, ليس بسببه. هناك طرقٌ أخرى, المواجهة المباشرة, لقد تعلم أن القتال لم يكن دائماً الطريق الأكثر فعالية.

التفت كندريك وخفض ببطء سيف صديقه أتميه, ثم التفت نحو إخوته الآخرين. وقد طغى عليه الامتنان لهم لدفاعهم عنه.

"زملائي أعضاء الفضة," نادى كندريك. "أنا ممتن لدفاعكم عني, وأؤكد لكم أن هذا لن يذهب سدىً. كما تعرفونني جميعكم, لم يكن لي أيّ علاقةٍ باغتيال والدي, ملكنا الحقيقي. وحين أجد قاتله الحقيقي الذي أعتقد أنني عرفته من طبيعة هذه الأوامر, يجب أن أكون أول من ينتقم منه. لقد اتهمت زوراً. كما قال, أنا لا أرغب في أن أكون دافعاً لحرب أهلية. لذلك أرجوكم, أخفضوا أسلحتكم. سأسمح لهم بأخذي بشكل سلمي, لا ينبغي من أجل فرد من الطوق أن تقاتلوا فرداً آخر. إذا عاشت العدالة, حينها ستظهر الحقيقة, وسوف أعود لأكون بينكم على الفور."

خفض أعضاء الفضة أسلحتهم ببطء وعلى مضض, بينما التفت كندريك إلى دارلوك. تقدم كندريك إلى الأمام ومشى مع دارلوك نحو الباب, وحرس الملك يحيطون به. مشى كندريك بفخر, في الوسط, منتصب القامة. لم يحاول دارلوك تكبيله, ربما احتراماً أو خوفاً, أو ربما لأنه يؤمن ببراءته. سيذهب كندريك بنفسه إلى سجنه الجديد. لكنه لن يستسلم بسهولة. سيبرئ اسمه بطريقه أو بأخرى, سيحرر نفسه من الزنزانة ويقتل قاتل أبيه. حتى لو كان أخاه.




الفصل الثالث


وقفت جويندولين داخل القلعة, وشقيقها غودفري بجانبها, يحدقان نحو ستيفن وهو واقف هناك, يراوغ, ويلوي يديه. لقد كان غريب الشكل, ليس فقط لأنه مشوّه, ظهره ملتوي ومنحني ولكن لأنه يبدو بأنه مليء بطاقة عصبية. عيناه لم تتوقف عن التحرك, وكان يشبك يديه باستمرار كما لو كان قد ارتكب ذنباً بهما.

لقد كان يثير الضوضاء في المكان, وهو يبدل بين قدم وقدم, ويهمهم مع نفسه بصوت عميق. كل هذه السنوات التي قضاها هنا في الأسفل, تخيلت جوين ذلك, كل هذه السنوات من العزلة تركت في شخصيته طابعاً غريباً.

انتظرت جوين على أمل أن يستطيع التحرر والكلام, حتى تكتشف ما حدث لوالدها. ولكن حين أصبحت الثواني دقائق, وستيفن يزداد تعرقاً, وازدادت حركاته أكثر من قبل بكثير, لم يحصل شيء. استمر هناك الصمت الثقيل, يتخلله فقط ضوضاء همهماته.

بدأت جوين بالتعرق هي أيضاً في هذا المكان, والنيران تزأر من الحفر القريبة جداً في هذا اليوم الصيفي. كانت تريد الانتهاء من هذا, لتغادر هذا المكان ولا تعود إليه مرة أخرى أبداً. كانت تتفحص ستيفن, في محاولة لفهم تعابير وجهه, لمعرفة ما يدور في عقله. لقد وعدهم بأن يقول لهم شيئا ما, ولكنه الآن غارقٌ في الصمت. حين كانت تتفحصه, بدا لها أن أفكاراً أخرى تدور في عقله. كان من الواضح أنه كان خائفًا. لقد كان لديه شيءٌ ما يخفيه.

أخيراً, تنحنح ستيفن.

"سقط شيء ما أسفل المزلق في تلك الليلة, أنا أعترف بذلك," بدأ الكلام, وهو يبعد عينيه عنهما, وينظر إلى مكانٍ ما من الأرض, "ولكن لم أكن متأكداً ما هو. كان من المعدن. أخذنا وعاء النفايات خارجاً في تلك الليلة, وسمعت صوت شيء ما يقع في النهر. شيئا مختلفاً. لذلك," قال, وهو يتنحنح عدة مرات بينما يشبك يديه ببعضهما, "كما ترون, أياً كان ذلك الخنجر, فلا بد أن تيارات النهر قد جرفته."

"هل أنت متأكد؟" سأل غودفري.

أومأ ستيفن بقوة.

تبادل جوين وغودفري النظرات.

"هل استطعت أن تنظر إليه على الأقل؟" ألح غودفري.

هز ستيفن رأسه.

"لكنك أشرت إلى أنه خنجر. كيف عرفت أنه كان خنجراً إذا لم تراه؟" سألت جوين. لقد كانت تعلم أنه يكذب. لم تعرف لماذا.

تنحنح ستيفن.

"لقد قلت ذلك كافتراض فقط," أجاب. "كان صغيراً ومن المعدن. ماذا يمكن أن يكون؟"

"لكن هل تحققت من أسفل الوعاء؟" سأل غودفري. "بعد أن أفرغته؟ ربما لا يزال في الوعاء, في القاع."

هز ستيفن رأسه.

"لقد تحققت من القاع," قال. "أفعل هذا دائماً. لم يكن هناك شيء, لقد كان فارغاً. مهما كان, لقد جُرف بعيداً. لقد رأيته يطفو من بعيد."

"إذا كان معدناً فكيف يطفو؟" سألت جوين.

هز ستيفن كتفيه.

"النهر غامض," أجاب. "التيارات قوية."

تبادل جوين نظرة شكٍّ مع غودفري, واستطاعت أن ترى أنه لا يصدق ستيفن أيضاً.

بدأ صبر جوين ينفذ. الآن, كانت مصابةُ بحيرة كبيرة. قبل لحظات, كان ستيفن سيخبرهم بكل شيء, كما وعدهم. ولكن يبدو أنه غيّر رأيه فجأة.

تقدمت جوين خطوة لتقترب منه أكثر, عبست, وقد شعرت أن لدى هذا الرجل ما يخفيه. ظهرت على وجهها ملامح قاسية, وحين فعلت ذلك, شعرت بقوة والدها تندفع داخلها. كانت مصممةً على اكتشاف كلّ ما كان يعرفه, لا سيما إذا كان أمراً سيساعدها في العثور على قاتل والدها.

"أنت تكذب," قالت, بصوت فولاذي بارد, وقوة مفاجأة فيه أدهشتها هي نفسها. "هل تعرف ما هي عقوبة الكذب على أحد أفراد العائلة المالكة ؟"

شبك ستيفن يداه ووثب في المكان, وهو يلقي نظرة خاطفة في وجهها, ثم نظر بعيداً بسرعة.

"أنا آسف," قال. "أنا آسف. من فضلك, ليس لدي المزيد لأقوله."

"لقد طلبت منا أن تبقى بعيداً عن السجن إذا أخبرتنا كل شيء تعرفه," قالت. "لكنك لم تخبرنا بشيء, لماذا طلبت منا ذلك إذا لم يكن لديك شيءٌ لتقوله ؟"

لعق ستيفن شفتيه و نظر إلى الأرض.

"أنا...أنا....أم," بدأ الكلام ثم توقف. تنحنح قليلاً. "لقد كنت قلقاً...بأنني سأقع في ورطة لعدم إبلاغكم بأن شيئاً ما وقع عبر المزلق. هذا هو كل شيء, أنا آسف. أنا لا أعرف ماذا هو هذا الشيء. لقد اختفى الآن."

ضاقت عينا جوين, وهي تحدق في وجهه, محاولة الوصول إلى داخل هذه الشخصية الغريبة.

"ماذا حدث لسيدك بالضبط؟" سألت, مواصلة النظر إليه بنفس الطريقة. "قيل لنا أنه مفقود. وأن لك علاقة بذلك."

هز ستيفن رأسه مراراً وتكراراً.

"لقد غادر," أجاب ستيفن. "هذا كل ما أعرفه, أنا آسف. أنا لا أعلم شيئا يمكن أن يساعدك."

فجأة سمع ضوضاء تدفق صاخبة في جميع أنحاء الغرفة, التفت جميعهم ورأوا النفايات تتدفق من المزلق وتهبط في وعاء النفايات الضخم. التفت ستيفن وركض عبر الغرفة, يسرع نحو الوعاء. وقف بجانبه, يشاهده وهو يمتلئ بالنفايات من الغرف العلوية.

نظرت جوين نحو غودفري الذي حدق في وجهها, لقد بدت على وجههما الحيرة على حد سواء.

"مهما كان الشيء الذي يخبئه," قال, "فإنه لن يستسلم."

"يمكننا أن نأمر بسجنه," قال غودفري. "هذا يمكن أن يجبره على التكلم."

أومأت جوين برأسها بالنفي.

"لا أعتقد ذلك, ليس مع شخصٍ مثله. من الواضح أنه خائفٌ للغاية. أعتقد أن له علاقة باختفاء سيده. إنه مشتت بسبب شيء ما بشكل واضح, ولا أعتقد أن لهذا الشيء علاقة بوفاة والدنا. أعتقد أنه يعرف شيئا من الممكن أن يساعدنا, ولكن لدي إحساس بأن الضغط عليه لن يؤدي إلا إلى انغلاقه."

"ما الذي علينا فعله؟"

وقفت جوين هناك, تفكر. تذكرت صديقاً لها, عندما كانت شابة, المرة الوحيدة التي قبض عليها وهي تكذب. تذكرت حين ضغط عليها والداها بكل الطرق لمعرفة الحقيقة, لكنها لم تقل. ولكن في وقت لاحق, بعد أسابيع فقط, عندما كان الجميع قد تركها وشأنها, ذهبت واعترفت بكل شيء طوعاً. شعرت جوين بنفس الشيء في ستيفن, بأنه حصره في الزاوية لن يفيد بشيء, وأنه يحتاج بعض الحرية ليأتي بنفسه ويتكلم. "دعنا نمنحه الوقت," قالت جوين بهدوء. "لنبحث في مكان آخر. لنرى ما يمكننا معرفته, وسنعود إليه حين يكون لدينا أكثر من ذلك. أعتقد أنه سيكون حينها مستعداً."

التفت جوين وراقبته, عبر الغرفة, يتفحص النفايات بينما يمتلئ الوعاء بها. شعرت بشكل مؤكد أنه سيقودهم إلى قاتل والدهم. لقد شعرت بذلك فقط دون أن تعرف كيف. تساءلت عن الأسرار التي يخفيها في تلابيب عقله. لقد كان شخصاً غريباً جداً, فكرت به جوين. في الواقع ,غريباً للغاية.




الفصل الرابع


حاول تور التنفس حين بدأ يرمش والمياه تغطي عينيه, أنفه وفمه, وتنهمر حوله من كل مكان. بعد أن انزلق عبر السفينة, تمكن أخيراً من التمسك بالسور الخشبي, وتشبث به حفاظاً على حياته بينما كانت المياه تدفعه بعيداً. كانت كل عضلة من جسده تهتز, ولم يكن يعرف كم سيمكنه التحمل أكثر.

كل إخوته من حوله فعلوا الشيء نفسه, متشبثين للنجاة بحياتهم بكل ما أمكنهم بينما كانت المياه تدفعهم لإخراجهم من القارب. بطريقة أو بأخرى, است طاعوا الصمود.

كان الصوت يصم الآذان, وكان من الصعب أن يرى أكثر من بضعة أقدام أمامه. على الرغم من أنه كان يوماً صيفياً, كان المطر بارداً, وكان الماء يصيبه بقشعريرة في جسده لم يستطع التخلص منها. وقف كولك هناك, مقطب الحاجبين, يداه على وركه كما لو أنه لا يكترث لجدار المطر, وصاح بكل من حوله.

"عودوا إلى مقاعدكم!" صرخ. "إلى التجديف!"

أخذ كولك مقعداً بنفسه وبدأ التجديف, وخلال لحظات انزلق الأولاد وزحفوا عبر السفينة, وعادوا إلى مقاعدهم. قصف قلب تور لأنه أفلت يديه, وكان يكافح لعبور سطح السفينة. كروهن, داخل قميصه, يأن, حين انزلق تور ثم سقط بقوة على السطح.

زحف بقية الطريق وسرعان ما وجد نفسه مرة أخرى في مقعده.

"اربطوا أنفسكم!" صرخ كولك.

نظر تور إلى الأسفل ورأى الحبال السميكة تحت مقعده, وأدرك أخيراً سبب وجودهم, انحنى قليلاً وعقد احداها حول معصمه, وقيد نفسه إلى المقعد والمجداف.

لقد نجح في ذلك, توقف عن الانزلاق. وبسرعة كان قادراً على معاودة التجديف.

استأنف جميع الأولاد من حوله التجديف, وأخذ ريس مقعداً أمامه, شعر تور بتحرك السفينة. وفي غضون دقائق قليلة, ابتعدوا قليلاً عن جدار المطر أمامهم.

بينما كانوا يجدفون ويجدفون, احترق جلده من هذا المطر الغريب, كانت كل عضلة في جسمه تؤلمه, وأخيراً بدأ صوت المطر يهدأ, وبدأ تور يشعر أن كميات أقل من المياه تنهمر فوق رأسه. في بضعة لحظات, شرقت الشمس فوقهم.

نظر تور, متفاجئا, لقد كان كل شيء جافاً تماماً. كان ذلك من أغرب الأشياء التي رآها في حياته, كان نصف السفينة جافاً, والشمس مشرقة, في حين أن نصف السفينة الآخر يهطل عليه المطر بينما كانوا على وشك الانتهاء من المرور عبر جدار المطر.

أخيراً, كانت السفينة بأكملها تحت سماء زرقاء وصفراء صافية, والشمس الدافئة تشرق عليهم. ساد الصمت الآن, وجدار المطر اختفى بسرعة, وقد بدا على جميع إخوته الذهول. كان الأمر كما لو أنهم عبروا الستار إلى عالم آخر.

"استراحة!" صرخ كولك.

كل من حول تور ألقوا المجاديف مع تأوه جماعي, يلهثون ويتنفسون بصعوبة. فعل تور الشيء نفسه, وهو يشعر بكل عضلة في جسمه ترتجف, كان سعيداً لأنه حصل على استراحة. انخفض أكثر, يلهث بشدة ويحاول أن يرخي عضلاته التي تؤلمه بينما كانت سفينتهم تبحر في هذه المياه الجديدة.

استعاد تور أنفاسه قليلاً ونظر حوله. نظر إلى الأسفل نحو المياه, ورأى أن لونها قد تغير, إنها الآن بلون أحمر خفيف متوهج. لقد دخلوا بحراً مختلفاً.

"بحر التنانين," قال ريس, بجانبه, وهو ينظر أيضاً بتعجب. "يقولون أن لونه أحمر بسبب دماء ضحاياه."

نظر تور إلى المياه مرة أخرى. كانت الفقاعات في كل مكان, ورأى حيوانات غريبة تخرج من الماء للحظات ثم تعود إليها. لم يكن هناك وقت كاف لتفحصهم, ولم يكن يريد أن يجرب حظه ويقترب أكثر من ذلك.

التفت تور ونظر إلى كل شيء معاَ, مشوشاً. كل شيء هنا, في هذا الجانب من جدار المطر يبدو غريباً, ومختلفاً للغاية. حتى أنه كان هناك ضباب أحمر طفيف في الهواء, يحوم على ارتفاع منخفض فوق الماء. لقد استطلع تور الأفق ورأى العشرات من الجزر الصغيرة, منتشرةً كحجارة في الأفق.

هبّ نسيم قوي وبينما تقدم كولك إلى الأمام وصاح:

"ارفعوا الأشرعة!"

قفز تور إلى العمل مع جميع الصبية من حوله, أمسكوا بالحبال, ورفعوهم للحاق بالنسيم. حملت عاصفة من الرياح الأشرعة وشعر تور بأن السفينة تتحرك تحته أسرع من أي وقت مضى, وأنها تتجه نحو الجزر. اهتزت السفينة على الأمواج ضخمة, اندفعت من العدم وبدأت بالتحرك بلطف صعوداً وهبوطاً.

تقدم تور نحو مقدمة السفينة وانحنى على الحاجز الحديدي و نظر. جاء ريس ووقف بجانبه, وتقدم أوكونور إلى جانبه الآخر. وقفوا جميعهم جنباً إلى جنب, ووقف تور يشاهد اقترابهم من سلسلة الجزر. وقفوا هناك في صمت لفترة طويلة, وتور يستمتع بالنسائم الرطبة بينما جسده يسترخي.

أخيراً, أدرك تور أنها تتجه نحو جزيرة واحدة على وجه الخصوص. كانت الجزيرة تبدو واضحة أكثر, وشعر تور ببعض البرد حين أدرك أن وجهتهم إليها.

"جزيرة الضباب," قال ريس في رهبة.

تفحص تور المشهد أمامه في دهشة. بدأ شكل الجزيرة يتوضح له, كانت جزيرة صخرية وعرة, جرداء, تمتد على مدى عدة أميال في كل اتجاه, طويلة وضيقة, على شكل حدوة حصان. كانت الأمواج ترتطم بشواطئها, وصوتها الهادر يسمع حتى من هنا, مشكّلةً رذاذاً هائلاً من الرغوة حين تصطدم بالصخور الضخمة. كان هناك وراء الصخور أصغر شريط من الأرض, ثم جدار من المنحدرات التي ارتفعت بشكل مستقيم. لم يرى تور مكاناً آمناً كي ترسوا السفينة فيه بسلام.

ومما زاد من غرابة هذا المكان, أن الضباب الأحمر ينتشر في كل أرجاء الجزيرة, مثل الندى, ويتألق تحت أشعة الشمس. كان يعطي شعوراً بالتشاؤم. لقد شعر تور بشيء غير بشري وغريب حول هذا المكان.

"يقولون أن عمرها ملايين السنين," أضاف أوكونور. "إنها أقدم من الطوق. حتى أنها أقدم من الإمبراطورية."

"إنها تنتمي للتنانين," أضاف إيلدين, وهو يتقدم إلى جانب ريس.

بينما كان تور يشاهد, فجأة انخفضت الشمس الثانية في السماء, وتحول اليوم في لحظات من شمس مشرقة إلى غروب تقريباً, تلطخت السماء بالأحمر والبنفسجي. لم يستطع تصديق ذلك, لم ير مثل هذا التحول السريع من قبل.

تساءل ما الذي يمكن أن يكون مختلفاً أيضاً في هذا الجزء من العالم.

"هل يعيش التنين على هذه الجزيرة؟"

أومأ إيلدين برأسه بالنفي.

"لا, لقد سمعت أنه يعيش بالقرب من هنا. يقولون أن الضباب الأحمر بسبب أنفاس التنين. إنه يتنفس ليلاً على الجزيرة المجاورة, ثمّ يحمل الرياح أنفاسه ويغطي الجزيرة بأكملها في النهار."

سمع تور ضجة مفاجئة. بدا في البداية وكأنه قعقعٌة منخفضة, مثل الرعد, صوت طويلٌ وعالٍ بما يكفي ليهزّ السفينة. كان كروهن ما يزال في قميصه, أدخل رأسه واختبأ وهو يأن.

كان الجميع يلتفت حوله, التفت تور أيضاً و نظر حوله, كان يعتقد أنه يرى في مكان ما في الأفق خطوط عريضة خافتة من ألسنة اللهب تقترب من غروب الشمس, ثم تختفي في دخان أسود, مثل ثورة بركان صغير.

"التنين," قال ريس. "نحن الآن في أراضيها."

خفق قلب تور وهو يتساءل.

"ولكن كيف سنكون في أمان هنا؟"

"أنت لست آمناً في أي مكان," خرج صوت مدوٍّ.

التفت تور لرؤية كولك يقف هناك ويداه على وركيه, يراقب الأفق فوق أكتافهم.

"هذا هو الهدف من المئة يوم, أن تعيش في خطر الموت كل يوم. هذا ليس تدريباً. التنين يعيش بالقرب من هنا, وليس هناك ما يمنعه عن مهاجمتنا. على الأرجح أنه لن يفعل, لأنه يقوم بحراسة كنزه على جزيرته الخاصة, والتنين لا يحب أن يترك كنزه بدون حراسة. ولكن سنسمع زمجرته ونرى نيرانه ليلاً. وإذا قمنا بإغضابه بطريقة أو بأخرى, لا يمكن أن نعرف ما الذي يمكن أن يحدث."

سمع تور صوت زمجرة منخفضةٍ آخر, رأى انفجار آخر من اللهب في الأفق. شاهد ارتطام الأمواج عند صخور الجزيرة بينما كانوا يقتربون منها. كان ينظر على المنحدرات الشديدة الانحدار, جدار من الصخور, وتساءل كيف يمكنهم الوصول إلى الأعلى, إلى أراضيها المسطحة والوعرة.

"ولكنني لا أرى أيّ مكان ترسو فيه السفينة," قال تور.

"سيكون ذلك سهلاً جداً," رد كولك.

"ثمّ كيف سنعبر الجزيرة؟" سأل أوكونور.

ابتسم كولك, ابتسامة شريرة.

"سوف تسبحون," قال.

للحظة, تساءل تور إذا كان يمزح, ولكن أدرك بعد ذلك من النظرة التي كانت على وجهه أنه لم يكن كذلك. خفق قلب تور.

"نسبح؟" ردد ريس, غير مصدق.

"هذه المياه تعج بالمخلوقات!" قال إيلدين.

"أوه, هذا أسهل ما في الأمر," تابع كولك. "هذا المد والجزر هو الذي يغدر بك. ستمتصك تلك الدوامات إلى الأسفل. وتحطمك الأمواج في تلك الصخور القاسية. الماء ساخن, وإذا تمكنت من عبور الصخور, سيكون عليك إيجاد وسيلة لتسلق تلك المنحدرات, لتصل إلى اليابسة. إذا لم تحصل عليك مخلوقات البحر أولاً بالطبع. مرحباً بكم في منزلكم الجديد."

وقف تور هناك مع الآخرين, على حافة السفينة, ينظرون نحو البحر وهو يشكل رغوة تحتهم. تدور المياه تحتهم كأنها شيء حي, تزداد قوة المد والجزر كل دقيقة, تهز السفينة, مما يجعل من الصعب المحافظة على توازنها. في الأسفل, تشتعل المياه باللون الأحمر المشرق المتماوج, والذي يبدو وكأنه يحتوي على دم من الجحيم نفسه. الأسوأ من ذلك كله, بينما كان تور يشاهد عن كثب, كان هناك كل بضعة أقدام وحش بحري يقترب من سطح المياه ويعكر صفوها, يرتفع إلى الأعلى, يطبق فكيه بأنيابه الطويلة ثم يعود ويغوص في الماء.

أنزلت سفينتهم المرساة فجأة, بعيداً عن الشاطئ, وارتعد تور. كان ينظر إلى الصخور التي تأطّر الجزيرة, ويتساءل كيف سيتمكنون من السباحة من هنا إلى هناك. كان صوت ارتطام الأمواج يعلو شيء فشيئاً, مما يجعل الآخرين يصرخون ليستطيع أحدهم الاستماع إلى الآخر.

بينما كان يشاهد, تم إنزال عدة زوارق تجديف صغيرة في الماء, ثم قادهم القادة العسكريون بعيداً عن السفينة, بثلاثين ياردة. إنهم لم يجعلوا الأمر أسهل, سيكون عليهم أن يسبحوا للوصول إليهم.

كان التفكير في ذلك يصيب تور بالدوار.

صرخ كولك "اقفزوا!"

لأول مرة, شعر تور بالخوف. وتساءل عما إذا كان هذا يجعله أقل من عضو من الفيلق, أو أقل من المحاربين. كان يعرف أنه ينبغي على المحاربين أن يكونوا شجعاناً في جميع الأوقات, ولكن كان عليه أن يعترف لنفسه بأنه خائفٌ الآن. كان يكره حقيقة أنه كذلك, وتمنى لو لم يكن كذلك. ولكنه كذلك.

ولكن حين التفت تور ورأى الرعب على وجوه الصبية الآخرين, شعر بشكل أفضل. وقف جميع الصبية من حوله على مقربة من حاجز السفينة, متجمدين من الخوف, يحدقون بالمياه. كان هناك صبي على وجه الخصوص خائفٌ لدرجة أنه كان يرتجف. كان الصبي من يوم الدروع, الذي كان يومها خائفاً أيضاً, الذي اضطر للركض عدة لفات.

على الأرجح أن كولك شعر بذلك, لأنه عبر السفينة نحوه. بدا كولك غير متأثراً بالرياح التي ترمي بشعره إلى الوراء, كان مقطب الحاجبين, ويبدو أنه على استعداد للتغلب على الطبيعة نفسها. جاء إلى جانبه ووجهه متجهم للغاية.

"اقفز!" صرخ كولك.

"لا!" أجاب الصبي. "لا أستطيع! لن أفعل ذلك! لا أستطيع السباحة! خذني إلى المنزل!"

مشى كولك باتجاه الصبي, بينما بدأ يتراجع بعيداً عن حافة السفينة, أمسك به من الخلف من قميصه, ورفعه بعيداً عن الأرض.

"إذا عليك أن تتعلم السباحة!" صرخ كولك بغضب شديد, ثم قذف الصبي من على الحافة, لم يستطع تور تصديق ذلك.

طار الصبي, صارخاً, بينما كان يسقط في زبد البحر. سقط بقوة, ثم طفا على السطح يضرب بيديه ويلهث.

"النجدة!" صرخ.

"ما هو القانون الأول في الفيلق؟" صرخ كولك, ملتفتاً إلى الأولاد الآخرين على السفينة, متجاهلاً الصبي في الماء.

كان تور خائفا من الإجابة الصحيحة, ولكن كان مشتتاً للغاية من جهة الصبي وغرقه ومساعدته.

"مساعدة عضو الفيلق الذي يكون في حاجة!" صرخ إيلدين.

"غير أنه ليس بحاجة للمساعدة!" صاح كولك, مشيراً إلى الصبي.

رفع الصبي ذراعيه وهو يتمايل بين الأمواج, ووقف الآخرون على سطح السفينة يحدقون, كل منهم خائف جداً من الغطس في تلك المياه.

في تلك اللحظة, حدث شيء مضحك لتور. بينما كان يركز على الصبي الذي يغرق, نسي كل شيء كان خائفاً منه. لم يعد يفكر في نفسه. حقيقة أنه قد يموت لم تعد في عقله. البحر, وحوش, والمد والجزر... كل ذلك تلاشى. كل ما كان يفكر فيه هو إنقاذ الشخص الآخر.

تقدم تور بخطوات واسعة, ثنى ركبتيه ودون تفكير, قفز عالياً في الهواء, موجهاً وجهه نحو سطح المياه الأحمر تحته.




الفصل الخامس


جلس غاريث على عرش والده في القاعة الكبرى, يفرك يديه على ذراعي كرسي العرش الخشبيتين على نحو سلس, ويتأمل المشهد أمامه. كانت الغرفة ممتلئةً بالآلاف من رعاياه, والناس يتدفقون من كل أطراف الطوق ليروا هذا الحدث الذي يحصل مرة واحدة في الحياة, لمعرفة إذا كان سيتمكن من رفع سيف القدر, لمعرفة ما إذا كان المختار. لقد سنحت الفرصة أن يشهدوا نفس الحدث حين كان والده شاباً, ويبدو أن لا أحد منهم يريد أن يفوّت ذلك الآن.

كانت الإثارة تطفو في جو المكان مثل سحابة.

كان غاريث متوتراً من الترقب أيضاً. بينما يشاهد القاعة تستمر في الامتلاء, المزيد والمزيد من الناس يكتظون داخلها, بدأ يستاءل عما إذا كان مستشارو والده على حق, عمّا إذا كان رفع السيف في القاعة الكبرى وأمام الجمهور فكرة سيئةً. لقد حثوه على المحاولة في غرفة السيف الصغيرة, ونصحوه بأنه حينها إذا فشل بذلك, عدد قليلٌ من الناس سيشهدون ذلك. لكن غاريث لم يكن يثق برجال والده. كان واثقاً بمصيره أكثر من رجال والده القدماء, وأراد للمملكة كلها أن تشهد على إنجازه, ليشهدوا بأنه المختار, حين يحدث ذلك. لقد أراد تسجيل تلك اللحظة في الوقت المناسب. اللحظة التي سيكتب قدره فيها.

دخل غاريث الغرفة متمايلاً, يتهادى بين مستشاريه, يرتدي التاج والعباءة, ملوحاً بصولجانه, كان يريد لكل منهم أن يعرف أنه الملك الحقيقي, وليس والده, إنه ماكجيل الحقيقي. وكما كان يتوقع فإنه لم يمضي وقت طويل حتى شعر أنها قلعته وأنهم رعاياه. كان يريد لشعبه بأن يشعر بذلك الآن, ليكون عرض السلطة هذا على نطاق واسع. بعد اليوم, سيعرفون بشكل مؤكد أنه كان المختار وأنه الملك الحقيقي.

لكن الآن جلس غاريث هناك, وحده على العرش, ينظر إلى المكان الذي سيوضع عليه السيف, مضاءً بشعاع من الشمس يدخل من خلال السقف. لم يكن متأكداً من خطورة الأمر الذي سيقوم به. إنها ستكون خطوة لا تراجع فيها, وليس هناك عودةً إلى الوراء. ماذا لو فشل فعلاً ؟ حاول إبعاد ذلك عن عقله.

فُتح الباب الضخم مع صرير على الجانب الآخر من الغرفة, ساد الصمت القاعة في ترقب. حُمل السيف من قِبل اثنا عشر من أقوى رجال البلاط, كان كل منهم يكافح تحت ثقل السيف. ستة رجال على كل جانب, يسيرون ببطء, يخطون في وقتٍ واحدٍ, يحملون السيف نحو المكان المخصص له.

تسارع قلب غاريث حين شاهد اقترابه. للحظة وجيزة، تأرجحت ثقته, إذا كان هؤلاء الاثنا عشر رجلاً, الأضخم من أي رجال قد شاهدهم في حياته, كانوا بالكاد يستطيعون حمله, فكم ستكون فرصته في ذلك؟ لكنه حاول أن يخرج هذه الأفكار من عقله, في النهاية, كان السيف يحدده القدر وليس القوة. وأجبر نفسه على التذكر بأن مصيره بأن يكون هنا, بكر أبيه, أن يكون الملك. بحث عن أرجون بين الحشد. لسبب ما أصبح لديه رغبة شديدة وملحّة لطلب مشورته. كانت هذه المرة التي شعر بأنه بأمس الحاجة إليه. لسبب ما, لم يستطع التفكير في أيّ شخص غيره. ولكن بالتأكيد, لم يكن من الممكن العثور عليه.

أخيرا وصل الرجال إلى وسط الغرفة, يحملون السيف نحو شعاع الشمس, وضعوا السيف في مكانه ,هبط مع رنة دوت في أرجاء القاعة. و ساد الصمت تماماً.

افترق الحشد بشكل عفوي, مما فتح المسار لغاريث للسير ومحاولة رفع السيف.

نهض غاريث من عرشه ببطء, مستمتعاً باللحظة, و بكل هذا الاهتمام. كان يشعر بالعيون كلها تتجه إليه. كان يعرف أن لحظة مثل هذه لا تأتي مرة أخرى أبداً, حين تشاهده المملكة بأكملها, بتركيز تام, والجميع يحلل كل خطوة يقوم بها. لقد عاش هذه اللحظة مرات عديدة في ذهنه منذ أن كان شاباً, والآن حان الوقت. لقد أراد أن يذهب ببطء.

سار خطوات مبتعداً عن العرش, مستمتعاً بكل خطوة, مشى على السجادة الحمراء, يشعر بنعومتها تحت قدميه, يقترب أكثر وأكثر من أشعة الشمس, من سيف القدر. بينما كان يسير, كان كما لو أنه حلم. كان يشعر بأنه خارج الواقع. شعر جزء منه كما لو أنه سار على هذه السجادة مرات عديدة من قبل, ورفع السيف مئات المرات في أحلامه. لقد جعله ذلك يشعر بأن ذلك مقدر له, وأنه كان يسير نحو قدره.

لقد تخيل غاريث المشهد في ذهنه, سيخطو إلى الأمام بجرأة, وسيمد يد واحدة إلى الأمام, وبينما ينحني رعاياه, سيرفعه فوق رأسه عالياً بشكل مفاجئ. حينها سيشهق الجميع ويتم إعلانه المختار, وأهم الملوك الذين حكموا مملكة ماكجيل, الملك الذي سيحكم إلى الأبد. سيبكون من الفرح أمام هذا المشهد, وسينحني جميعهم خوفاً منه. وسيحمدون الرب أنهم عاشوا هذه الفترة وشهدوا على هذا. سيسجدون ليكون إلهاً لهم.

اقترب غاريث من السيف, أمتار فقط تفصله عنه, شعر بنفسه يرتعش. حين مشى تحت ضوء الشمس, وعلى الرغم من أنه رأى السيف مرات عديدة من قبل, لقد سلبه جمال السيف بشكل مفاجئ. لم يسبق له أن اقترب بهذا الشكل من قبل, لقد فاجأه. لقد كان ضخماً, بنصل لامع, مصنوع من مادة لم يستطع أحدٌ فك رموزها, وكان مقبضه يحوي أكثر زخرفات رآها في حياته, ملفوف بحرير ناعم ومرصع بالمجوهرات من كل نوع, ومزين برأس صقر. حين اتخذ خطوة أقرب نحوه, شعر بقوة الطاقة التي تشع منه. بدأ قلبه يخفق. إنه بالكاد يستطيع التنفس. سيكون في راحة يده خلال لحظات. عالياً فوق رأسه. يلمع تحت ضوء الشمس ليراه العالم بأسره.

إنه غاريث, غاريث المختار.

اقترب غاريث ووضع يده اليمنى على المقبض, أغلق أصابعه ببطء حوله, وهو يشعر بكل جوهرة, حين شعر بكل حجمه في يده, ارتعش. وسرت طاقة شديدة عبر كفه, وصلت إلى ذراعه, ثم عبر جسده. كان شعور لم يجربه من قبل. كانت هذه لحظته.

لم يكن لدى غاريث فرصةٌ أخرى, مد يده الأخرى ووضعها فوق يده اليمنى على المقبض أيضاً. أغلق عينيه, تنفس بشكل ضئيل.

إذا كان هذا يرضي الآلهة, دعوني أرفع هذا. أعطني علامة. تظهرني بأنني الملك الحقيقي. كان غاريث يصلي بصمت, في انتظار رد, إشارة, لحظة مثالية. ولكن مرت الثواني, عشرة ثوان كاملة, والمملكة بأكملها تشاهده, ثم سمع شيئا.

ثم, فجأة, رأى وجه والده, ينظر إليه بوجه متجهم.

فتح غاريث عينيه في رعب, وأراد أن يمسح هذه الصورة من عقله. ارتعد قلبه, كان يشعر بأنه فأل مروع.

كان الأوان قد حان, الآن أو أبداً.

انحنى غاريث, وبكل قوته, حاول رفع السيف. كافح بكل قوته, حتى اهتز جسده كله, وانتفض.

لكن السيف لم يتزحزح. كان ذلك أشبه بتحريك الأرض.

حاول غاريث بشكل أكبر وأكبر. أخيراً, كان يئن ويصرخ بشكل واضح.

وبعد لحظات, انهار.

والنصل لم يتحرك بوصة واحدة.

بدت الصدمة على جميع من كان في الغرفة حين سقط على الأرض. هرع العديد من مستشاريه لمساعدته, ليتأكدوا أنه بخير, وقد أبعدهم غاريث بعنف.

وقف, محرجاً, يجبر نفسه على الوقوف وهو يستعيد قوته.

نظر غاريث حوله, ذليلاً, ليرى كيف كان الحشد ينظر إليه بعد هذا.

كان الجميع قد التفت بالفعل, وذهبوا بعيداً خارجين من القاعة. كان يمكن لغاريث أن يرى خيبة الأمل في وجوههم, استطاع أن يرى أنه كان مجرد فاشلٍ آخر في عيونهم. الآن جميعهم أصبح يعرف أنه لم يكن الملك الحقيقي. أنه ليس المختار وماكجيل المقدر. لقد كان لا شيء, مجرد أمير آخر استولى على العرش.

شعر غاريث بالنار تشتعل في صدره مع هذا العار, لم يشعر بهذه الوحدة من قبل. كل شيء تخيله, منذ طفولته, كان كذبة, و وهم. كان يصدق خرافته.

والآن سحقه حلمه.




الفصل السادس


سار غاريث في حجرته وعقله يترنح, مذهولاً من فشله في رفع السيف, يحاول أن يعالج عواقب هذا الفشل. لقد شعر أنه غبي. لم يستطع تصديق أنه كان غبيً لهذه الدرجة, أنه حاول رفع سيفٍ لم يستطع أحد من أسرة ماكجيل رفعه. لماذا كان يعتقد أنه أفضل من أسلافه؟ لماذا كان يفترض أنه سيكون مختلفاً؟

كان يجب أن يعرف. كان يجب أن يكون حذراً, ولا يبالغ في تقدير نفسه. كان يجب أن يكتفي بعرش والده. لماذا كان يريد أن يحصل على أكثر من ذلك؟

الآن عرف كل رعاياه أنه لم يكن المختار. الآن سيفسد هذا حكمه, الآن, ربما سيكون لديهم المزيد من الأسباب للشك بأنه قاتل والده. لقد رأى بأن الجميع نظر إليه بشكل مختلف, كما لو كان شبحاً, كما لو أنهم يستعدون بالفعل للملك القادم.

والأسوأ من ذلك, للمرة الأولى في حياته, لم يكن غاريث واثقاً من نفسه. كان يرى مصيره طوال حياته واضحاً أمام عينيه. لقد كان متأكداً أنه سيأخذ مكان والده, وأنه سيرفع السيف. لقد اهتزت ثقته في الصميم. الآن, لم يعد واثقاً من شيءٍ أبداً.

الأسوأ من ذلك كله, أنه لم يستطع التوقف عن رؤية صورة وجه والده, لقد ظهرت أمامه قبل أن يرفع السيف تماماً. هل كان هذا انتقاماً منه؟

"برافو," جاء صوت تهكمي.

التفت غاريث, مصدوماً بأنه لم يكن هناك أحد معه في حجرته. لقد عرف الصوت على الفور. كان صوتاً مألوفاً جداً على مر السنين, صوت كان يحتقره دائما. كان صوت زوجته.

وقفت هناك في زاوية بعيدة, تراقبه وهي تدخن الأفيون. سحبت بعمق, ثم سمحت للدخان أن يخرج ببطء. كانت عيناها محتقنة, واستطاع أن يرى أنها كانت تدخن منذ مدةٍ طويلةٍ جداً.

"ماذا تفعلين هنا؟" سأل.

"هذه هي حجرة زفافي بالرغم من كل شيء," أجابت. "أستطيع أن أفعل أي شيء أريده هنا. أنا زوجتك وملكتك, لا تنسى ذلك. أنا أحكم هذه المملكة بقدر ما تفعل. وبعد الكارثة التي قمت بها اليوم, سأستخدم صلاحياتي في الحكم بشكل أوسع. احمر وجه غاريث. كان لدى هيلانة طريقةٌ في تحطيمه, وفي الوقت الغير مناسب. لقد ازرداها أكثر من أيّ امرأةٍ في حياته, لم يكن يصدق أنه وافق على الزواج منها.

"حقا؟" بدأ غاريث بالمشاجرة, وسار نحوها, وهو يغلي. "يبدو أنكِ نسيتِ أنني الملك, أنت مجرد مومس, ويمكنني أن أسجنك في أي وقت, تماماً مثل أي شخص في مملكتي, سواء كنت زوجتي أم لا."

ضحكت في وجهه, مع صوت شخير ساخر.

"ثم ماذا ؟" قاطعته. "هل سيتساءل رعاياك عن حياتك الجنسية ؟ لا, أشك في ذلك كثيراً. ليس في عالم غاريث المليء بالتخطيط. ليس في ذهن الرجل الذي يعتبر رأي الناس به من أولى اهتماماته."

توقف غاريث أمامها, مدركاً أن لديها طريقتها الخاصة في ازعاجه حتى الجنون. لقد فهم تهديدها له, وأدرك أنّ المجادلة معها لن تجلب له أي خير. لذلك وقف هناك بهدوء, ينتظر, وقد شد قبضة يده.

"ماذا تريدين؟" قال ببطء, في محاولة للسيطرة على نفسه. "أنت لا تأتي إلا إذا كنت تريدين شيئا."

ضحكت بسخرية.

"سآخذ كل ما أريد. أنا لن آتِ لأطلب منك أي شيء. بل لأقول لك شيء, لقد شهدت المملكة كلها على فشلك في رفع السيف. إلى أين سيؤدي بنا هذا؟"

"ماذا تقصدين ؟" سألها, متسائلا إلى أين تريد الوصول بهذا الكلام.

"شعبك الآن يعرف ما قد عرفته دائما, أنك فاشل. أنك لست المختار. مبارك, فقد أصبح هذا بشكل رسمي."

عبس وجه غاريث.

"فشل والدي في رفع السيف, لكن ذلك لم يمنعه من الحكم كملك."

"ولكن هذا ألحق الضرر بمملكته," قالت. "في لحظة من فترة حكمه."

"إذا لم تكوني راضيةً عن قدراتي," قال غاريث غاضباً, "لماذا لا تتركين هذا المكان ببساطة ؟ اتركيني! تخلي عن زواجنا السخيف. أنا الملك الآن, لست بحاجة لك."

"أنا ممتنة لأنك طرحت هذه النقطة," قالت, "لأن ذلك ما جئت لأجله بالضبط. أريدك أن تنهي زواجنا رسمياً. أريد الطلاق. هناك رجل أحبه, رجلٌ حقيقي. واحدٌ من فرسانك. في الواقع, إنه محارب. نحن في علاقة حب. حب حقيقي, لا يشبه أي حب قد عرفته من قبل. طلقني, حتى أتمكن من التوقف عن الحب في الخفاء. أريد أن يكون حبنا معلناً, وأريد أن أكون زوجته."

حدق غاريث في وجهها, مصدوماً, يشعر وكأن خنجراً قد دخل في صدره للتو. لماذا اعترفت هيلينا بكل هذا؟ لماذا الآن, من كل الأوقات؟ لقد كان ذلك كثيراً عليه. لقد شعر كما لو أن العالم كله يدفع به إلى الأسفل.

لقد تفاجئ غاريث أن لديه بعض المشاعر العميقة لهيلينا, لأنه عندما سمع كلماتها, تطلب الطلاق, أثرت فيه بطريقة ما. كانت مفاجأة له. لقد جعله هذا يدرك أنه لا يريد الطلاق منها. لو كان الطلاق قراره, كان شيئاً مختلفاً, ولكن لأنه قرارها فإنه لا يريد أن يتحقق ما تريده, وليس بهذه السهولة.

الأهم من ذلك كله, تساءل كف سيؤثر الطلاق على منصبه. من شأن طلاق الملك أن يثير الكثير من التساؤلات. لقد وجد نفسه يشعر بالغيرة من هذا الفارس. واستاء من تصريحها بافتقاره للرجولة هكذا في وجهه. أراد الانتقام. من كليهما.

"لن تستطيعي الحصول عليه," قال غاريث. "أنت مرتبطة بي, وستبقين زوجتي للأبد. أنا لن أسمح لك بالخلاص. وإذا قمت باكتشاف هذا الفارس الذي تخونيني معه, سأعرضه للتعذيب وأعدمه."

حدقت هيلينا بغضب.

"أنا لست زوجتك! أنت لست زوجي. لقد كانت علاقة آثمة. من اليوم الذي زُيّفت به. كانت شراكة رُتبت من أجل السلطة. كل شيء يثير اشمئزازي, كان شعوري دائما هكذا. لقد دمرت فرصتي الوحيدة بأن أكون متزوجة."

استنشقت بعض الهواء, وغضبها يزداد.

"ستعطيني الطلاق, أو سأفضح حقيقتك للمملكة بأسرها. عليك أن تقرر."

التفت هيلينا, وسارت عبر الغرفة وخرجت عبر الباب المفتوح, ولم تكلف نفسها عناء إغلاقه وراءها.

وقف غاريث وحده في حجرته. يستمع إلى صدى خطاها ويشعر بقشعريرة تسري في جسده لا يستطيع التخلص منها. أليس هناك أيّ شيء مستقرٌ في حياته يمكن أن يتمسك به بعد الآن؟

بينما وقت غاريث هناك, يرتجف, ويراقب الباب مفتوحاً, فوجئ برؤية شخصٍ آخر يسير نحوه. لقد كان لديه بالكاد وقت لإدراك كلام هيلينا, والتفكير بتهديداتها له, حين اقترب منه وجه مألوف جداً. فيرث. دخل بخطواته المعتادة و نظرة الذنب تعلو وجهه.

"غاريث ؟" سأل, بصوت غير واثق.

حدق فيرث في وجهه, بعينين واسعتين, كان يمكنه ملاحظة أن غاريث بحالة سيئة. لا بد أنه يشعر بالذنب, فكر غاريث. في النهاية, كانت فكرة فيرث بأن يرفع السيف, وقد عمل على إقناعه بها, وهو من جعله يفكر بأنه أكثر مما كان عليه. من دون همسات فيرث, من يعلم ما الذي كان سيحصل؟ ربما لم يكن غاريث سيحاول فعل ذلك أبداً.

التفت غاريث إليه, وهو يغلي. لقد وجد أخيراً من يصب كل غضبه عليه. لقد كان فيرث الشخص الذي قتل والده أيضاً. كان فيرت الصبي الغبي, الذي جلب له كل هذه الفوضى التي بدأت مع مقتل والده. الآن هو مجرد خليفة فاشلة لعائلة ماكجيل.

"أنا أكرهك," اشتعل غضب غاريث. "ماذا عن وعودك الآن؟ ماذا عن ثقتك في أنني سأرفع السيف؟"

"أنا آسف, سيدي," قال "كنت مخطئا".

"لقد كنت مخطئا في الكثير من الأمور," قاطعه غاريث.

في الواقع, كلما فكر غاريث بهذا, كلما أدرك مدى الخطأ الذي ارتكبه فيرث. لو لم يكن هناك فيرث, كان والده ما يزال على قيد الحياة اليوم, ولن يكون غاريث في أي من هذه الفوضى. لن يكون حمل المملكة فوق رأسه, وكل هذه الأمور لم تكن لتسير بشكل خاطئ. لقد كان غاريث يتوق لأيامٍ أبسط, عندما لم يكن الملك, عندما كان والده على قيد الحياة. كان يشعر برغبة مفاجئة لإعادة حياته السابقة كلها, وكل الأمور التي كان معتاداً عليها, لكنه لن يستطيع. وكان لديه فيرث ليلومه على كل ذلك.

"ماذا تفعل هنا ؟" سأله غاريث.

تنحنح فيرث, كان توتره واضحاً.

"لقد سمعت إشاعات.. ثرثرات... من كلام الخدم. وصلني كلام أن أخاك وأختك يسألان الأسئلة. لقد شوهدوا في أماكن الخدم. يبحثون عن سلاح الجريمة في مزلق النفايات, عن الخنجر الذي استخدمته في قتل والدك."

أصبح جسد غاريث بارداً حين سمع كلماته, لقد تجمد في حالة صدمة وخوف. هل يمكن لهذا اليوم أن يسوء أكثر؟

"وماذا وجدوا ؟" سأل, كان حلقه جاف , والكلمات تخرج منه بصعوبة.

هز فيرث رأسه.

"أنا لا أعرف يا سيدي, كل ما أعرفه هو أنهم يشكون بشيء ما."

شعر غاريث بالكراهية تتجدد نحو فيرث, كراهيةً لم يعرف من قبل أنه سيشعر بها تجاهه. لو أنه يستطيع التخلص من تصرفاته الخرقاء, لو أنه تخلص من السلاح بشكل صحيح, لما كان في هذا الموقف. لقد تركه فيرث عرضة للخطر.

"سأقول هذا لمرة واحدة فقط," قال غاريث, وهو يقترب من فيرث, ومن وجهه بالتحديد, وهو يحملق بغضب شديد مع أقوى نظرة لديه. "لا أريد أن أرى وجهك مرة أخرى. هل تفهم؟ اتركني ولا تعد أبداً. سأقصيك إلى مكان بعيد من هنا. وإذا وطأت قدماك أرض هذه القلعة مرة أخرى, سأقوم باعتقالك.

"غادر الآن!" صرخ غاريث.

فيرث, بعينين دامعتين, التفت وهرب من الغرفة, راكضاً.

عاد تفكير غاريث إلى السيف, ومحاولته الفاشلة. لم يكن متأكداً ولكنه شعر كما لو كان قد ورط نفسه في مصيبةٍ كبيرة. لقد شعر كما لو كان قد دفع بنفسه إلى الهاوية, ومن هذه اللحظة, سيقف فقط ويواجه مصيره.

كان واقفاً هناك, والصمت يسود المكان, في حجرة أبية, يرتجف, ويتساءل عن ما يخبئه القدر له. لم يشعر من قبل بهذه الوحدة, لم يكن واثقاً من نفسه.

هل هذا ما يعنيه أن يكون ملكاً؟

سارع غاريث نحو السلم الحلزوني, يصعد الطابق تلو الآخر, يسرع خطاه نحو شرفات القلعة العلوية. كان يحتاج إلى الهواء النقي. يحتاج إلى الوقت والتفكير. كان يحتاج إلى نقطة يراقب منها مملكته, فرصة لرؤية بلاطه, شعبه, ويذكّر نفسه بأن كل هذا ملكه. بأنه وعلى الرغم من كل الكوابيس التي عاشها اليوم, كان في النهاية, لا يزال الملك.

كان غاريث قد صرف مرافقيه وركض وحده, يصعد الدرج تلو الآخر, وهو يتنفس بصعوبة. توقف عند واحد من الطوابق, انحنى وأنفاسه تشتعل. كانت الدموع تنهمر على وجنتيه. كان لا يزال يرى وجه والده, يوبخه عند كل منعطف.

"أنا أكرهك!" صرخ في الهواء.

كان يكاد يقسم أنه سمع أحداً يرد عليه بالاستهزاء والضحك. سمع ضحك والده.

كان غاريث يحتاج إلى الابتعاد عن هنا. التفت وواصل الجري والركض, حتى وصل أخيراً إلى الأعلى. فتح الباب بقوة, واندفع هواء الصيف النقي إلى وجهه.

تنفس عميقاً, وهو يلهث, تحت ضوء الشمس, والنسائم الدافئة. خلع عباءته, عباءة والده, ورمى بها إلى الأرض. كان الجو حاراً ولم يعد يريد هذه الثياب بعد الآن.

سارع إلى حافة الشرفة وأمسك السور الحجري وهو يتنفس بصعوبة, ويراقب مملكته. كان يرى حشداً ليس له نهاية, يخرج من القلعة. كانوا يغادرون الحفل, حفله. لقد استطاع رؤية خيبة أملهم من هنا. لقد بدوا صغار جداً. وتعجب أنهم كانوا جميعاً تحت سيطرته.

ولكن إلى متى؟

" أمور الحكم مضحكة فعلاً," ظهر صوت قديم.

التفت غاريث ورأى, مدهوشاً, أرجون واقفاً هناك, على بعد أمتار, يرتدي عباءة بيضاء وغطاءً, ويحمل أشياءه بيده. كان يحدق فيه, وقد رسم ابتسامة على زاوية شفتيه, ولكن عينيه لم تبتسما. كانتا متوهجتين, كان يحدق في وجهه تماماً, وقد أصابتا غاريث بالرعشة. لقد رأى عبرهما الكثير.

كان هناك الكثير من الأمور التي أراد غاريث أن يسألها لأرجون. لكن الآن بعد أن فشل برفع السيف, لم يكن يتذكر واحدة منها.

"لماذا لم تخبرني؟" ناشد غاريث واليأس في صوته. "كنت تستطيع إخباري بأنني لست المختار. كنت وفرت علي العار والخزي."

"ولماذا أفعل ذلك ؟" سأل أرجون.

عبس غاريث.

"أنت لست مستشاري الحقيقي," قال. "كنت تنصح والدي, أما أنا فلم تفعل."

ازداد غضب غاريث. كان يكره هذا الرجل, وكان يلومه بشدة.

"أنا لا أريدك حولي," قال غاريث. "أنا لا أعرف لماذا وظفك والدي هنا, ولكن أنا لا أريد وجودك في بلاط الملك."

ضحك أرجون, بصوت أجوف مخيف.

"لم يوظفني والدك, أيها الصبي الأحمق," ردّ أرجون. "لا والدك ولا من كان قبله, إن وجودي هنا متعمّد. في الواقع, يمكنك القول أنني أنا من وظفتهم."

تقدم أرجون فجأة خطوة إلى الأمام, وبدا كما لو كان يحدق في روح غاريث.

"هل يمكننا أن نسأل السؤال نفسه عن وجودك هنا؟" سأل أرجون. "هل من المفترض أن تكون هنا ؟"

ضربت كلماته وتراً حساساً عند غاريث, بعثت البرد في جسده. كان الشيء ذاته الذي يسأله غاريث لنفسه, وتساءل غاريث إذا كان ذلك تهديداً.

"من يحكم بالدم سيُحكم عليه بالدم," أعلن أرجون, ومع تلك الكلمات, التفت بسرعة وبدأ في الابتعاد.

"انتظر!" صرخ غاريث, لم يعد يريده أن يذهب, كان يحتاج إلى إجابات. "ماذا تقصد بذلك؟"

لم يكن غاريث متأكداً ولكنه شعر بأن أرجون يعطيه رسالة, رسالةً بأنه لن يحكم طويلاً. كان يحتاج إلى معرفة ما إذا كان هذا ما كان يعنيه.

ركض غاريث وراءه, ولكنه حين اقترب, اختفى أرجون أمام عينيه.

التفت غاريث, نظر حوله, ولكن لم يرى شيئا. سمع صوت ضحك أجوف فقط, في مكان ما في الهواء.

"أرجون!" صرخ غاريث.

التفت مرة أخرى, ثم نظر إلى السماء, انحنى على ركبة واحدة ورمى رأسه إلى الخلف. وصرخ:

"أرجون!"




الفصل السابع


سار ايريك إلى جانب الدوق براندت والعشرات من حاشية الدوق, عبر شوارع سافاريا المتعرجة, يتزايد الحشد وراءهم كما يذهبون, نحو بيت الخادمة لقد أصرّ إيريك على لقاءها بدون تأخير, وكان يريد أن يقود الدوق طريقهم شخصياً. وأين يذهب الدوق, يذهب الجميع, نظر ايريك حوله إلى الحاشية الضخمة والمتنامية, وشعر بالحرج, حين أدرك أنه سيصل إلى منزل الفتاة مع عشرات الأشخاص من حوله.

منذ رآها للمرة الأولى, لم يستطع ايريك التفكير بشيءٍ سواها. من كانت هذه الفتاة, تساءل, لقد بدت من عائلة نبيلة, ولكنها تعمل في بلاط الدوق كخادمة ؟ لماذا هربت منه على عجل ؟ لماذا كان ذلك, خلال سنوات حياته كلها, ومع كل النساء النبيلات اللاتي التقاهن, كانت هي الوحيدة التي أسرت قلبه ؟

لقد كان في قصر الملك طوال حياته, وهو ابن الملك نفسه, كان يمكن له أن يكشف النبلاء الآخرين في لحظة, وقد شعر منذ اللحظة الأولى أنها كانت أكثر بكثير من المكان الذي هي فيه. كان يحترق من الفضول لمعرفتها, ومن أين كانت, وما الذي تفعله هنا. كان يحتاج إلى فرصةٍ ليركز عينيه عليها, ليرى إذا ما كانت كما تخيل و إذا كان لا يزال يشعر بالطريقة نفسها تجاهها.

"لقد قال لي الخدم أنها تعيش على مشارف المدينة," أوضح الدوق, ويتحدث وهم يتابعون السير. كما ذهبوا, كان الناس يفتحون أبوابهم على جانبي الشوارع وينظرون. مندهشين من وجود الدوق والحاشية المرافقة له في الشوارع العامة.

"على ما يبدو, هي خادمة في إحدى الخانات عندنا. لا أحد يعرف أصلها. من أين جاءت. كل ما نعرفه أنها وصلت إلينا في يوم ما, وأصبحت خادمة بالسخرة. على ما يبدو أن ماضيها, لغز."

ساروا جميعهم إلى شارع جانبي آخر, حيث أصبحت الحصا تحت أقدامهم أكثر اعوجاجاً, والمساكن صغيرة ومتهالكة وأقرب إلى بعضها البعض.

تنحنح الدوق.

" لقد أخذتها كخادمة في البلاط في مناسبات خاصة. إنها هادئة, ومنطوية على نفسها لا أحد يعرف عنها الكثير يا إيريك," قال الدوق, ملتفتاً أخيراً إلى إيريك, ووضعاً يده على معصمه," هل أنت متأكدٌ بشأن هذا الموضوع؟ هذه المرأة, أيّاً كانت هي, فهي فتاة أخرى من العامة. يمكنك اختيار أي امرأة من المملكة."

نظر ايريك إليه.

"يجب أن أرى هذه الفتاة مرة أخرى, لا يهمني من هي."

هز الدوق رأسه باستنكار, وواصلوا جميعهم السير, يتجاوزون الطريق بعد الآخر, عبر أزقة ملتوية وضيقة. كلما كانوا يتابعون السير, كانت أحياء سافاريا تزداد قذارة, وتمتلئ الشوارع بالسكارى, والدجاج والكلاب يجولون حولهم. مروا بالحانة بعد الأخرى, وصرخات الرجال تسمع من الخارج. تعثر عدة سكارى أمامهم, وعندما حلّ الليل, بدأت الشوارع تنار بواسطة المشاعل.

"افتحوا طريقاً للدوق!" صاح مرافقه, وهرع إلى الأمام, دافعاً السكارى بعيداً عن الطريق. في كل شارع كان هناك أناس بغيضون يشاهدون بدهشة, مرور الدوق وإيريك بجانبه.

أخيراً وصلوا إلى نزلٍ متواضع صغير, مبنيٍّ من الجص, مع سقف حجري. بدا الأمر كما لو أنها تحتوي خمسين نزيل, مع عدد قليل من الغرف داخله. كان الباب الأمامي ملتوٍ, وقد كُسرت إحدى النوافذ, ومصباح المدخل قد علق باعوجاج, وشعلته تخفق باستمرار, بضوئها الخفيف جداً. تسربت صيحات السكارى من النوافذ, بينما كانوا يقفون جميعهم أمام الباب.

كيف يمكن لفتاةٍ جميلةٍ أن تعمل في مكان مثل هذا؟ تساءل إيريك برعب, حين سمع صراخ وصيحت الاستهجان من الداخل.

لقد كُسر قلبه حين فكر بذلك, وتخيل الإهانة التي تعاني منها في هذا المكان. هذا ليس عدلاً, فكر إيريك. كان يشعر أنه عازم على إنقاذها.

"لماذا أتيت إلى أسوأ مكانٍ لتختار عروسك منه ؟" سأل الدوق موجها سؤاله إلى ايريك.

التفت براندت نحوه أيضاً.

"هذه آخر فرصة يا صديقي," قال براندت. "هناك قلعة ممتلئة بالنساء النبيلات تنتظر عودتك إلى هناك."

لكن ايريك هز رأسه, رافضاً.

"افتح الباب," أمر إيريك.

هرع رجال الدوق إلى الأمام وقاموا بخلع الباب, انتشرت رائحة البيرة من الداخل, بشكل منفّرٍ للغاية.

في الداخل, كان الرجال السكارى منحنين فوق العارضة, يجلسون على طاولات خشبية, ويهتفون بصوت عالٍ جداً, يضحكون, ويلقون السباب ويتصارعون مع بعضهم البعض. كانوا من طبقة الخدم, كان يمكن لإيريك معرفة ذلك بنظرة واحدة, ببطونٍ كبيرة جداً وخدين غير حليقين, وملابس غير مغسولة. لم يكن أحدهم محارباً.

تقدم ايريك عدة خطوات, يبحث عنها في المكان. لم يكن يتصور أن تعمل امرأة مثلها في مثل هذا المكان. وتساءل عما إذا كانوا قد جاؤوا إلى نزل خاطئ.

"عفوا يا سيدي, أنا أبحث عن امرأة," قال ايريك لرجل يقف بجانبه, طويل القامة, واسع الكتفين, مع بطنٍ كبيرة, غير حليق.

"أنت كذلك إذاً؟" صاح الرجل ساخراً. "حسناً, لقد أتيت إلى المكان الخطأ! هذا ليس بيت دعارة. هناك واحد في هذا الشارع- وسمعت أن النساء هناك جيدات وممتلئات!"

بدأ الرجل يضحك بصوت عالٍ جداً, في وجه ايريك , بينما انضم إليه العديد من رفاقه.

"ليس مطلبي بيت دعارة," أجاب ايريك, غير مسرور, "ولكن أبحث عن امرأة محددةٍ, تعمل هنا."

"لا بد أنك تعني خادمة النزل," قال شخصٌ آخر, كان رجلاً ضخماً آخر في حالة سكر. "إنها على الأرجح في الخلف في مكان ما, تنظف الأرض. هذا سيءٌ جداً- كنت أتمنى لو كانت هنا, في حضني!"

ضحك الرجال جميعهم بصوت عالٍ, وقد احمر وجه إيريك من التفكير بذلك. كان يشعر بالخجل لأجلها. بأن تكون مجبرة على خدمة كل هذه الأنواع, كانت إهانة كبيرة له.

"ومن أنت ؟" جاء صوت آخر.

تقدم رجل إلى الأمام, أضخم من الآخرين, ذو لحيةٍ وعيونٍ داكنة, فك واسع, متهجم الوجه ويرافقه عدد من الرجال القذرين. كان يملك عضلاتٍ أكثر من الدهون, اقترب من ايريك مهدداً, كان من الواضح أنه ريفيّ.

"هل تحاول سرقة خادمتي ؟" سأله بغضب. "اخرج من هنا اذن!"

تقدم إلى الأمام محاولاً الوصول إلى إيريك.

لكن ايريك, محصّنٌ بسنواتٍ من التدريب, أعظم فارس في المملكة, كانت ردة فعله أقوى من أن يتخيله هذا الرجل.

باللحظة التي لمس فيها إيريك بيديه, اندفع ايريك, ولوى معصمه بقوة, نظر إلى الرجال حوله بسرعة البرق, ثم أمسكه من الخلف من قميصه, ودفعه عبر الغرفة.

حلق الرجل الكبير ككرة مركولةٍ بقوة, وأخذ معه عدة رجال, وسقطوا جميعهم على الأرض في مكان صغير كأنهم قوارير بولينج.

ساد الصمت الغرفة بأكملها, بينما توقف كل الرجال يشاهدون ما حدث.

"قتال! قتال!" هتف الرجال.

وقف صاحب النزل متعثراً, وهو في حالة ذهول واندفع نحو ايريك مع صيحة.

هذه المرة ايريك لم ينتظر, تقدم إلى الأمام لمواجهة مهاجمه, رفع ذراعه, وضربه بكوعه مباشرة على وجهه, وكسر أنفه.

تعثر صاحب النزل إلى الخلف, ثم انهار وسقط على الأرض على مؤخرته.

تقدم ايريك إلى الأمام, التقطه, على الرغم من حجمه, ورفعه عالياً فوق رأسه. تقدم عدة خطوات إلى الأمام ورمى الرجل, طار الرجل في الهواء, وأخذ نصف الغرفة معه.

وقف الرجال مندهشين وقد توقف هتافهم, وبدأوا يدركون أن هناك شخص مميزاً بينهم. اندفع الساقي, رغم ذلك, إلى الأمام فجأة, يمسك بزجاجة فارغة, وقد رفعها فوق رأسه, ووجهها نحو ايريك.

رأى ايريك أنه قادم وكان قد وضع يده على سيفه مسبقاً, ولكن قبل أن يستطيع ايريك اخراجه, تقدم صديقه براندت إلى الأمام, إلى جانبه, وأخرج خنجره من حزامه, ووجهه نحو حلق الساقي.

ركض الساقي نحوه مباشرة ثم توقف متجمداً, والنصل على وشك أن يثقب جلده. كان واقفاُ هناك, وعيونه قد جحظت من الخوف, يتعرق, وقد تجمدت يده في الهواء ممسكة بالزجاجة. ساد الصمت في الغرفة حتى أنك تستطيع سماع رنين الإبرة فيها.

"اترك هذا," أمره براندت.

فعل الساقي ذلك, وتحطمت الرجاجة على الأرض.

استل إيريك سيفه مع رنين معدني مدوي وسار نحو صاحب الحانة, الذي كان يأنّ وهو ممددٌ على الأرض, وجه سيفه نحو حنجرته.

"سأقول هذا مرة واحدة فقط," قال ايريك. "امسح هذه الغرفة من كل هذا الدماء, الآن. سأطلب مقابلة السيدة. وحدها."

"الدوق!" صاح شخص ما.

التفت كل من في الغرفة وتعرفوا أخيراً على الدوق, كان واقفاً هناك, عند المدخل, يحيط به رجاله. هرع الجميع إلى خلع قبعاتهم وأحنوا رؤوسهم إجلالاً.

"إذا لم تكن الغرفة فارغة بالوقت الذي سأنهي فيه كلامي," أعلن الدوق, "سيسجن كل منكم في آن واحد."

اندلع الجنون في أرجاء الغرفة و قد هرع الرجال إلى إخلاءها, يسارعون أمام الدوق للخروج من الباب الأمامي, وقد تركوا زجاجات الجعة التي لم يكملوها.

"واخرج أنت أيضاً," قال براندت للساقي, وقد أبعد خنجره, ثم أمسكه من شعره ودفع به خارج الباب.

الغرفة التي كانت صاخبة جداً قبل لحظات, أصبحت الآن فارغة, صامتة, باستثناء ايريك, برانت, ديوك, واثنا عشر من رجاله المقربون, أغلقوا الباب خلفهم مع صوت مدوي.

التفت ايريك إلى صاحب الحانة, وقد جلس على الأرض, وهو لا يزال مذهولاً, وقد مسح الدم عن أنفه. أمسك به إيريك من قميصه, رفعه بكلتا يديه, وأجلسه على أحد المقاعد الفارغة.

"لقد دمرت عملي هذه الليلة." قال صاحب الحانة وهو ينتحب. "سوف تدفع ثمن ذلك."

تقدم الدوق إلى الأمام ورفع يده مهدداً.

"يمكنني أن أقتلك لمحاولتك لمس هذا الرجل," وبخه الدوق. "هل تعرف من هو هذا؟ هذا إيريك, أفضل فارس في المملكة, بطل فرقة الفضة. لو أنه اختار, كان بإمكانه قتلك بنفسه, الآن."

نظر صاحب الحانة إلى إيريك, وللمرة الأولى, بدا خوفٌ حقيقي على وجهه. لقد ارتعد في مقعده.

"لم يكن لدي فكرة, أنت لم تعرف عن نفسك."

"أين هي؟" سأل إيريك, وقد نفد صبره.

"إنها في الخلف, تنظف المطبخ. ما الذي تريده منها؟ هل سرقت شيئاً ما منك؟ إنها مجرد خادمة أخرى."

أخرج إيريك خنجره ووجهه نحو حنجرة الرجل.

"لن تدعوها بالخادمة مرة أخرى," حذر ايريك," ويمكنك أن تكون على يقين بأنني سوف أقتلك. هل تفهم؟" قال إيريك بشدة بينما كان نصل الخنجر على حلق الرجل.

غمرت الدموع عيون الرجل, بينما أومأ ببطء.

"أحضرها إلى هنا, بسرعة," قال إيريك, وانتزعه من الأرض ليقف على قدميه, ثم دفعه عبر الغرفة نحو الباب الخلفي.

حين خرج صاحب الحانة, سُمع صوت رنين الأواني من وراء الباب, وصراخ بعيد, ثم بعد لحظات, فتح الباب, وخرج العديد من النساء يرتدين الخرق, الأرواب والأغطية, وقد غطت دهون المطبخ ملابسهن. كانت هناك ثلاث نساء أكبر سنا من البقية, في الستينات, وتساءل ايريك للحظة إذا عرف صاحب الحانة عن من كان يتحدث.

بعد ذلك, خرجت الفتاة, وتوقف قلب ايريك في صدره.

كان بالكاد يستطيع التنفس, لقد كانت هي.

كانت تلبس مئزرا, مغطى ببقع الشحوم, وقد أبقت رأسها منخفض, خجلةً من النظر. كان شعرها مربوطاً, ومغطى بقماش, وقد غطا خديها الأوساخ, انكسر قلب ايريك لرؤيتها هكذا. كانت بشرتها شابةً للغاية, ورائعةً جداً. كانت خدودها عاليةً ومنحوتة, و عظام فكيها بارزةٌ قليلاً, وأنفها صغير يغطيه النمش, وشفاهها ممتلئة. كان لديها جبهة عريضة ملكية, وقد نزل شعرها الأشقر الجميل من تحت غطاء رأسها.

اختلست نظرة عليه, لمجرد لحظة, كان لها عينان لوزيتان بلون أخضر, يتغير لونهما تحت الضوء, ويتحولان إلى الأزرق الكريستالي ثم يعودان للونهما مرة أخرى, لقد سلبا عقله بجمالهما. لقد تفاجأ حين أدرك أنه كان مفتوناً أكثر بها مما كان عليه حين رآها للمرة الأولى.

جاء من وراءها صاحب الحانة, مقطباً, وما يزال يسمح الدم عن أنفه. تقدمت الفتاة قليلاً نحو ايريك, وقد أحاط بها النسوة الأكبر سناً, انحنت حين اقتربت منه. ارتفع ايريك, واقفاً أمامها, كما فعل العديد من حاشية الدوق.

""سيدي," قالت, بصوتها الناعم, الجميل, الذي ملء قلب ايريك. "من فضلك, هل يمكن أن تقول لي ماذا الذي أخطأت به تجاهك. أنا لا أعرف ماذا فعلت, ولكن أنا آسفة لأيّ شيءٍ قمت به ولأنني تسببت بمجيء الدوق إلى هنا."

ابتسم ايريك. كلماتها, لغتها, صوتها. كل ذلك جعله يشعر بأنه لا يريد أن تتوقف عن الكلام.

اقترب ايريك ومسك ذقنها بلطف, رفعه حتى التقت أعينهما. تسارعت دقات قلبه وهو ينظر في عينيها. كان وكأنه يتخبط في بحر من اللون الأزرق.

"سيدتي, أنتِ لم تفعلي شيئاً مسيئاً. أنا لا أعتقد أنك قادرة على أن تسيئي لأحدٍ على الإطلاق. لقد جئت إلى هنا ليس بدافع الغضب, ولكن بدافع الحب. منذ رأيتك, لم أعد قادراً على التفكير في أي شيء آخر."

بدا الارتباك على الفتاة, أخفضت رأسها, ورمشت بعيونها عدة مرات. كانت تلوي يدها وتنظر بتوتر. كان من الواضح أنها غير معتادة على هذا.

"من فضلك سيدتي, أن تقولي لي. ما اسمك؟"

"أليستر," أجابت, بتواضع.

"أليستر," كرر ايريك, كان أجمل اسم سمعه في حياته.

"لكن أنا لا أعرف إذا كان ينبغي أن تعرف هذا," أضافت بهدوء, وهي ما تزال تنظر إلى الأرض. "أنت سيد, وأنا مجرد خادمة."

"وهي خادمتي, على وجه الدقة." قال صاحب الحانة, وهو يتقدم إلى الأمام بقذارة. "إنها ملزمة بالعمل عندي. لقد وقعت اتفاق, منذ سنوات. لقد وعدت بسبع سنين. وفي المقابل, أعطيها الطعام والمسكن. لقد مضت ثلاث سنوات. لذلك كما ترى, فهذا كله مضيعة للوقت. هي ملكي. وأنا مالكها. لن تأخذها بعيداً. هي ملكي. هل تفهم؟"

شعر ايريك بكراهية تجاه هذا الرجل, لم يشعر بها من قبل. كان جزءٌ من عقله يخبره بأن يرفع سيفه ويطعنه في قلبه وينتهي من أمره. ولكن مهما كان هذا الرجل يستحق ذلك, لا يريد أن يخرق قانون الملك. في النهاية, أفعاله كلها تنعكس على الملك.

"قانون الملك هو قانون الملك," قال ايريك للرجال, بحزم. "أنا لا أنوي خرقه. والقانون يقول, أن البطولات تبدأ غداً. ويحق لي كأيّ رجل, اختيار عروستي. وليكون الجميع على علمٍ أنني هنا والآن اخترت أليستير."

التفت الجميع إلى بعضهم البعض, مصدومين.

"هذا إذا," أضاف ايريك, "إذا وافقَت."

نظر ايريك إلى أليستير, وقلبه يقصف, بينما كانت ما يزال رأسها منخفض. كان يرى أن وجهها قد احمر.

"هل توافقين, سيدتي؟" سأل.

"سيدي," قالت بهدوء. "أنت لا تعرف شيئاً عني, من أنا, من أين أنا, لماذا أنا هنا. أخشى أنني لا أستطيع إخبارك بهذه الأمور."

حدّق ايريك, في حيرة.

"لماذا لا يمكنك إخباري؟"

"لم يسبق لي أن أخبرت أحد منذ وصولي, لقد كان نذراً."

"ولكن لماذا؟" ألح, مستغربا للغاية.

لكن أليستير أبقت عيونها منخفضة وصامتة.

"هذا صحيح," تدخلت واحدة من النسوة. "هذه الفتاة لم تخبرنا من هي, أو لماذا هي هنا. لقد رفضت ذلك, لقد حاولنا لسنوات."

وقع ايريك في حيرة كبيرة ولكن هذا كان جزءاً من غموضها.

"إذا لا ينبغي أن أعرف من أنت, إذا لا يجب علي ذلك," قال ايريك. "فأنا أحترم نذرك. ولكن ذلك لن يغير حبي لك. سيدتي, كائناً من كنت, إذا فزت بهذه البطولات, سأختار فتاة تكون عروسة لي. وهذه الفتاة هي أنت, من نساء العالم أجمع. أطلب منك مرة أخرى, هل توافقين؟"

أبقت أليستير عيناها ثابتتين على الأرض, وبينما كان ايريك يشاهدها, رأى الدموع تنهمر على خديها.

فجأة, التفت وهربت من الغرفة, وأغلقت الباب خلفها.

وقف ايريك هناك, مع الآخرين, مذهولاً. لا يعرف كيف يفسر ردها.

"أنت ترى إذاً, إنك تضيع وقتك, ووقتي." قال صاحب الحانة. "لقد قالت لا. اخرج من هنا إذاً."

عبس ايريك في وجهه.

"ولكنها لم تقل لا," قال براندت. " لم تجب فقط."

"يحقّ لها أن تأخذ وقتاً للتفكير," قال ايريك, مدافعاً عنها. "بعد كل شيء, هناك الكثير لتفكر به, إنها لا تعرفني, أيضاً."

وقف ايريك هنا, يفكر بما يجب القيام به.

"سأبقى هنا الليلة," أعلن ايريك أخيراً. "يجب عليك أن تعطيني غرفة هنا, تحت غرفتها. في الصباح, قبل بدء البطولات, سأسألها مرة أخرى. إذا وافقت, وإذا فزت, يجب أن تكون عروسي. إذا حصل هذا, سأدفع ثمن خروجها من خدمتك, ويجب حينها أن تغادر المكان هذا معي."

كان من الواضح أن صاحب الحانة لا يريد بقاء ايريك تحت سقفه, لكنه لم يتجرأ على قول شيء. لذلك التفت وخرج من الغرفة, وأغلق الباب وراءه.

"هل أنت متأكد أنك ترغب في البقاء هنا؟" سأله الدوق. "عد معنا إلى القلعة."

أومأ إيريك برأسه بالنفي.

"لم أكن متأكداً من أيّ شيء في حياتي مثل هذا اليوم."




الفصل الثامن


انخفض تور في الهواء, وغطس في الماء, برأسه أولاً في مياه بحر النار الهائجة. غاص فيها نحو الأسفل, وقد دهش حين شعر أن المياه ساخنة.

تحت السطح, فتح تور عيناه لفترة وجيزة وتمنى لو أنه لم يفعل ذلك. لقد لمح أنواع كثيرة من المخلوقات البحرية الغريبة والقبيحة, الصغيرة والكبيرة, بوجوه غريبة وغير مألوفة. لقد كان المحيط يعج بها. كان يصلي كي لا تهاجمه قبل أن يتمكن من الوصول إلى السفينة بسلامة.

اندفع تور إلى السطح ,وصل بلحظات, ونظر نحو الصبي الغريق. لمحه على الفور, وفي ذلك الوقت تماماً, كان يضرب بيديه, محاولاً النجاة, وفي بضعة ثواني ,كان قد غرق تماماً.

سبح تور نحوه, أمسك به من الخلف, وبدأ السباحة معه, وقد أبقى كلًّ من رأسيهما فوق الماء. سمع تور صوت أنين, وحين التفت, صدم لرؤية كروهن, لا بد أنه قفز في الماء بعده. سبح النمر بجانبه, يحاول البقاء بالقرب منه. شعر تور بشعور رهيب حين أدرك الخطر الذي يهدد كروهن, ولكن يداه كانتا تحملان الصبي وليس هناك ما يمكنه فعله.

حاول تور أن لا ينظر حوله, إلى المياه, الهائجة الحمراء, ومخلوقاتها الغريبة التي تخرج إلى السطح ثم تختفي حوله. اقترب منه مخلوق قبيح المظهر, أرجواني, مع أربعة أذرع ورأسين, هسهس في وجهه, ثم اختفى تحت الماء, مما جعل تور يجفل.

التفت تور ورأى السفينة, تبعد عنه حوال العشرين ياردة, سبح نحوها بشكل محموم, مستخدماً ذراعاً واحدةً وساقيه ويجر الصبي بالذراع الأخرى. استفاق الصبي وصرخ, وبدأ يقاوم, حتى خشي تور أن يغرقا سوياً.

"تمالك نفسك!" صرخ تور بقسوة, على أمل أن يسمعه.

أخيراً, هدأ الصبي قليلاً. شعر تور بالارتياح, حتى سمع صوتاً والتفت إلى الاتجاه الآخر, كان بجانبه تماماً, مخلوق آخر, صغير, ذو رأس أصفر وأربعة مخالب. كان له رأس مربع, وكان يسبح باتجاهه, يزمجر ويهتز. كان يبدو كأفعى تعيش في البحر, باستثناء أن رأسه كان مربعاً. استعد تور بينما كان يقترب منه, لقد ظن أنه سيعضه, ولكن فجأة, فتح فمه بشكل واسع وبصق مياه البحر في وجهه. رمش تور بعينيه, يحاول إخراج المياه منها.

كان المخلوق يسبح حوله, في دوائر, ضاعف تور جهده, وأصبح يسبح بشكل أسرع, في محاولة للابتعاد عنه.

كان تور يحرز تقدماً, ويقترب من السفينة, حين ظهر مخلوق آخر على جانبه الآخر. كان طويلاً, ضيقاً, وبرتقالي اللون, مع مخلبين في فمه وعشرات الأرجل الصغيرة. كان له ذيل طويل, يضرب به في كل اتجاه. كان يشبه سرطان البحر, وهو يقف في وضع مستقيم . طاف المخلوق حول تور, مثل حشرة بحر, واقترب منه, يلتفت ويضرب بذيله. لسع الذيل جلد تور وصرخ من الألم.

استمر المخلوق في السباحة ذهاباُ وإياباً, يضرب بذيله مرارا وتكرارا. وتمنى تور لو أنه يستطيع اخراج سيفه ومهاجمته, لكن كان لديه يدٌ واحدة وكان مضطر للسباحة بها.

كان كروهن يسبح بجانبه, يزمجر نحو المخلوق, ويسبح دون خوف, لقد أخاف الوحش, مما جعله يختفي تحت المياه. تنهد تور وشعر بالارتياح حتى عاد المخلوق إلى الظهور فجأة على جانبه الآخر, وهاجمه مرة أخرى. التفت كروهن وطارده, محاولاً القبض عليه, يحاول أن يطبق فكيه عليه, ويفشل في كل مرة.

سبح تور للنجاة, مدركاً أن السبيل الوحيد للخروج من هذا هو الخروج من البحر. بعد بعض الوقت الذي شعر أنه لن ينتهي, وهو يسبح بصعوبة أكثر من قبل, اقترب من السفينة, التي تهتز بعنف في الأمواج. وبينما كان يفعل, اثنان من أعضاء الفيلق, كانا ينتظران هناك لمساعدته, لقد كانا أكبر سناً, و لم يسبق لهما أن تحدثا إلى تور وزملائه. انحنيا إلى الأمام ومدا يداهما لمساعدته.

ساعد تور الصبي أولاً, محاولاً إيصاله نحو السفينة. أمسك الصبيان به من ذراعيه وسحباه نحوهما.

حمل تور كروهن, ممسكاً به من معدته وألقى به خارج الماء, نحو السفينة. صرخ كروهن وهو يخدش السطح بكفوفه الأربعة, وانزلق على السطح الخشبي وهو يهتز ويبتعد الماء عن جسده. انزلق عبر السطح الرطب, في كل أنحاء السفينة. ثم وثب على الفور, وعاد مسرعا إلى الحافة, يبحث عن تور. كان واقفاً هناك, ينظر إلى الماء, ويأن.

اقترب تور وأمسك يد أحد الصبية, وحين كان يدفع نفسه نحو السفينة, أحس فجأة بشيء قوي يلتف حول كاحله وفخذه. التفت و نظر, ارتعد قلبه, رأى مخلوق أخضر ليموني, يشبه الحبار, يلتف حول ساقه.

صرخ تور من شدة الألم بينما كان يشعر وكأن إبراً تخترق جسده.

أدرك تور أنه إذا لم يفعل شيئاً بسرعة, ستكون نهايته. مد يده الحرة إلى حزامه, أخرج خنجر قصير, انحنى وضرب به. لكن المخلوق كان سميكاً جداً, ولا يمكن للخنجر جرحه حتى.

لقد أغضبه ذلك. أخرج المخلوق رأسه, بلونه الأخضر, بدون عينين, و فكين على رقبته الطويلة, واحدا فوق الآخر, وفتح فكيه بأسنانه الحادة , متجهاً نحو تور. لم يعد يشعر تور بساقه, وكان يعلم أنه يجب عليه التصرف بسرعة. على الرغم من جهود الصبي بالتشبث, انزلقت قبضة تور, وغرق مرة أخرى في المياه. كان كروهن يصرخ, وشعر جسده قد انتصب, يقترب من الحافة كما لو أنه يستعد للغطس في المياه. ولكن حتى كروهن عرف أنه لا فائدة من مهاجمة هذا الشيء.

تقدم أحد الصبية وصرخ.

"مخلوق!"

أخفض تور رأسه, وألقى الصبي الرمح. اندفع الرمح في الهواء, لكنه أخطأ الهدف, ووقع في المياه. لقد كان المخلوق رفيعاً جداً وسريعاً للغاية.

فجأة, قفز كروهن من السفينة إلى المياه مرة أخرى, غطس في المياه وقد فتح فكيه وغرس أسنانه الحادة في رقبة المخلوق. عضّه كروهن بقوة وبدأ يميل برأسه يساراً ويميناً, دون أن يسمح له بالهروب.

لكنها كانت معركة خاسرة, كان جلد المخلوق قاس جداً. رمى المخلوق كروهن في الهواء. وفي الوقت نفسه شد قبضته على ساق تور, كان ذلك مثل عقابٍ له, وشعر تور بأنه لم يعد قادراً على التنفس. لقد غرست مخالبه بشكل سيء للغاية, وشعر تور وكأن ساقه تتمزق.

في محاولة نهائية بائسة, ترك تور يد الصبي, وترجح قليلاً حتى وصل للسيف القصير في حزامه.

لكنه لم يتمكن من الحصول عليه في الوقت المناسب, لقد انزلق وغرق في المياه.

لقد شعر تور بأنه يُجر بعيداً عن السفينة, لقد كان المخلوق يسحبه في البحر. كان يُجر خلفه أسرع وأسرع, وهو يشاهد السفينة تختفي أمامه. وآخر شيء استطاع رؤيته, أنه كان يُسحب إلى الأسفل, تحت سطح المياه, في أعماق بحر النار.




الفصل التاسع


ركضت جويندولين في المروج الخضراء, ووالدها, الملك ماكجيل, بجانبها. كانت صغيرةَ, ربما في العاشرة, وكان والدها أصغر من ذلك بكثير. كانت لحيته قصيرة, ولا يظهر عليها أي علامات شيب, كان جلده خالٍ من التجاعيد, كان شاباً ومشرقاً. كان سعيداً, وخالٍ من الهم, يضحك وهو يمسك يدها ويركض معها عبر الحقول. كان هذا والدها الذي تتذكره, والدها الذي تعرفه.

حملها وألقى بها على كتفه, وهو يضحك بصوت أعلى وأعلى, وكانت تضحك بشكل هيستيري أيضاً. كان تشعر بالأمان في ذراعيه, وتمنت لو أن هذه اللحظات لا تنتهي.

ولكن حين أنزلها والدها, حدث شيء غريب. فجأة, أصبح اليوم ليلاً بعد أن كان مشمسا. عندما وضعت جوين قدمها على الأرض, لم يعد هناك زهورٌ في المرج, بل علقت في الوحل, حتى كاحليها. كان والدها مستلقياً في الوحل, على ظهره, على بعد أمتار منها, يبدو أكبر سناً, متقدماً في السن كثيراً, وعالقاً. على مسافة أبعد من ذلك, في الوحل, كان تاجه, يغرق.

"جويندولين," صاح وهو يلهث. "ابنتي, ساعديني."

رفع يده بعيداً عن الوحل, ليصل إليها, بمحاولة يائسة.

لقد سيطر عليها شعور ملحٌّ لمساعدته, وحاولت أن تذهب إليه, للإمساك بيده. ولكنها لم تستطع زحزحة قدميها. نظرت إلى أسفل ورأت الطين متصلباً حولها, جافاً ومتكسراً. تلوت وتلوت, في محاولة لتحرير نفسها.

ثم فجأة رمشت لتجد نفسها تقف على شرفات القلعة, تنظر إلى بلاط المملكة. كان هناك شيء ما خاطئ, لأنها حين نظرت إلى أسفل, لم ترى الاحتفالات المعتادة, بل بدلاً من ذلك كنت هناك مقبرة مترامية الأطراف. لقد استُبدلت روعة وإشراقة بلاط الملك بقبور جديدة تمتد على مرأى العين.

سمعت خطى قدمين, وكاد قلبها أن يتوقف حين التفت ورأت قاتلاً, يرتدي عباءة سوداء وغطاء, يقترب منها. اندفع نحوها, وسحب الغطاء عن رأسه, وكشف عن وجه بشع, كان قد فقد عين واحدة, ولديه ندبة عميقة على وجهه. رفع يداً واحدة, كان يمسك خنجراً لامعاً, مقبضه بلون أحمر متوهج.

كان يتحرك بسرعةٍ كبيرة, ولم تستطع أن تقوم بالاستجابة في الوقت المناسب. استعدت جويندولين, وهي تعلم أنها على وشك أن تقتل حين دفع بالخنجر بقوة كاملة.

توقف القاتل فجأة, على بعد بوصة من وجهها فقط, فتحت جويندولين عينيها ورأت والدها, واقفاً هناك, جثة هامدة, يمسك بمعصم الرجل في الهواء. ضغط على يد الرجل حتى أسقط الخنجر, ثم رفع الرجل على كتفيه وألقى به من الشرفة. سمعت جوين صرخاته وهو يهوي نحو الأسفل.

التفت والدها وحدق في وجهها. أمسك كتفيها بحزم بيديه المتحللتين وكان على وجهه تعابير قاسية.

"هذا المكان ليس آمن لكِ," قال محذراً. "ليس آمناً!" صرخ, وهو يغرس يداه في كتفيها بقسوة, مما جعلها تصرخ.

استيقظت جوين و هي تصرخ. جلست على السرير, تنظر في كل مكان من غرفتها, متوقعة قدوم القاتل.

كانت تتعرق وتتنفس بصعوبة, قفزت من السرير, وارتدت ثوب الدانتيل الليلي, وعبرت غرفتها. سارعت نحو حوض ماء حجري, ورشت الماء على وجهها, مراراً وتكراراً. اتكأت على الجدار, وشعرت بالبرد في قدميها العارتين في هذا الصباح الصيفي الحار, كانت تحاول أن تتمالك نفسها.

لقد شعرت بأن الحلم حقيقي للغاية. وأحست بأنه تحذير حقيقي من والدها, كان رسالة. وسيطرت عليها حاجة ملحةٌ في ترك بلاط الملك, حالاً, وبدون عودة.

كانت تعرف أن ليس هناك ما تفعله. كان عليها أن تتمالك نفسها, لتكسب معركتها. لكن في كل مرة كانت ترمش بها, كانت تشاهد وجه والدها, يحذرها. كان عليها أن تفعل شيئاً لإبعاد هذا الحلم.

نظرت جوين إلى الخارج ورأت بداية ارتفاع الشمس الأولى, وفكرت في المكان الوحيد الذي سيساعدها على استعادة رباطة جأشها, نهر الملك. نعم, كان عليها أن تذهب إلى هناك.

*

غمرت جويندولين نفسها في ينابيع الملك الباردة المتجمدة مراراً وتكراراً, كانت تحبس نفسها وتنزل رأسها تحت الماء. كانت جالسة في بركة سباحةٍ طبيعيةٍ صغيرةٍ, منحوتة من الصخر, كانت مخبأة في الينابيع العليا, كانت قد وجدتها منذ كانت طفلة واعتادت التردد عليها. أبقت رأسها تحت الماء, وهي تشعر بالتيارات الباردة عبر شعرها, على فروة رأسها, لقد أحست بأنها تغسل جسدها العاري وتطهره.

لقد وجدت هذا المكان المنعزل في أحد الأيام, مخبئاً وسط مجموعة من الأشجار, في أعلى الجبل, هضبة صغيرة حيث تباطأت سرعة النهر وخلقت بركة عميقة. كان النهر يتدفق فوقها وتحتها, كان يستمر في الجريان حتى هذا المكان, على هذه الهضبة, كانت المياه تجري بتيارات خفيفة جداً. كانت البركة عميقة, والصخور ملساء, لقد كان مكاناً مخفيّاً تماماً, حيث بإمكانها الاستحمام عارية. كانت تأتي إلى هذا المكان كل صباح في الصيف تقريباً, بينما ترتفع الشمس, لتصفي ذهنها. خصوصا في أيام مثل هذا اليوم, حين تطاردها الأحلام, كما تفعل في معظم الأوقات, كان هذا مكانها الوحيد التي تستطيع اللجوء إليه.

كان من الصعب جداً على جوين أن تعرف إذا كان مجرد حلم, أو أنه شيءٌ أكثر من ذلك. كيف كان عليها أن تعرف متى يكون الحلم رسالة, أو نذير؟ كيف تعرف ما إذا كان عقلها يتحايل عليها أم أنها أُعطيت فرصة للتصرف؟

نهضت جويندولين لاستنشاق الهواء, كانت تتنفس في هذا الصباح الصيفي الدافئ, وهي تستمتع إلى زقزقة العصافير حولها. استلقت مرةً أخرى على الصخور, وجسدها مغمور حتى رقبتها, كانت جالسة على حافة حجرية داخل المياه, تفكر. رشت وجهها بقطرات من المياه, ثم مررت يديها على طول شعرها الطويل الأحمر, نظرت إلى الأسفل نحو سطح المياه الكريستالي, وقد انعكست عليه صورة السماء, والشمس الثانية, التي كانت قد بدأت بالارتفاع, والأشجار التي كانت مائلةً على المياه, ووجهها. عيونها الزرقاء المتوهجة, التي تنظر إلى انعكاس وجهها المتموج. كانت ترى في وجهها شيئاً من والدها. التفت بعيداً, وفكرت مرة أخرى بالحلم الذي راودها.

كانت تعلم أنّ بقاءها في بلاط الملك أصبح خطِراً عليها بعد اغتيال والدها, بوجود كل الجواسيس, كل المؤامرات, و خاصة بعد تولي غاريث الحكم. لم يكن هناك أحد يمكنه التنبؤ بتصرفات غاريث. مع كل الحقد الذي يحمله. و جنون العظمة, وغيرته الشديدة. لقد كان يرى أنّ الجميع يشكل تهديداً له, خاصةً هي. يمكن لأي شيءٍ أن يحدث. كانت تعرف أنها ليست بأمان هنا, لم يكن هناك أحد بأمان هنا.

لكنها لم تكن من النوع الذي يهرب هكذا. إنها بحاجة لمعرفة قاتل والدها, وإذا كان غاريث, لا يمكنها أن تهرب حتى تحقق العدالة. كانت تعرف أن روح والدها لن تهدأ حتى يتمّ القبض على قاتلها. كانت العدالة أساس حكمه حين كان حياً, و كان يستحق من بين جميع الناس أن يحصل عليها في موته.

عادت جوين للتفكير في لقائها مع ستيفن. كانت متأكدةً من أن ستيفن يخبئ شيئاً ما. وتساءلت عن ما يمكن أن يكون. كان هناك جزء منها يشعر أنه سيتكلم عن ذلك. ولكن ماذا لو لم يفعل ؟ شعرت بحاجةٍ ملحةٍ لإيجاد قاتل والدها, ولكن لم تعرف مكاناً آخر لتبحث فيه.

نهضت غويندولين أخيراً من مقعدها تحت الماء, وسارت نحو ضفة المياه عارية, ترتجف بينما تداعب نسمات الصباح جسدها, اختبأت خلف شجرة كبيرة, ومدت يدها لتأخذ منشفتها من غصن الشجرة, كما تفعل دائما.

ولكنها صدمت حين اكتشفت أنها لم تكن هناك. وقفت هناك عارية, بجسدها الرطب, دون أن تستطيع فهم ذلك. كانت متأكدة أنها علقتها هنا, كما كانت تفعل كل مرة.

بينما وقفت هناك حائرة, ترتعش, تحاول فهم ما حدث, فجأة, شعرت بحركة خلفها. لقد حدث ذلك بسرعة, لقد لمحت شيئا, وبعد لحظة, توقف قلبها حين أدركت وجود رجل يقف وراءها.

خلال ثوانٍ قليلةٍ, كان هناك رجل وراءها, يرتدي عباءةً سوداء وغطاءً على رأسه, كما رأته في حلمها. أمسك بها من الخلف, مد يده النحيلة, وأحكم يده على فمها, ليكتم صراخها. مده يده الأخرى وأمسكها من وسطها, وسحبها نحوه ثم دفعها بعيداً على الأرض.

كانت تركل بقدميها في الهواء, في محاولة لإبعاده والصراخ, حتى أجلسها, و قبضته ماتزال على فمها. حاولت أن تتحرر من قبضته, لكنه كان قوياً جداً. مد يده نحو خصره, ورأت جوين خنجراً بمقبضٍ أحمر متوهج, نفس الخنجر الذي كان في حلمها. لقد أيقنت أخيرا أنه كان تحذيراً.

شعرت بالنصل يضغط على حلقها, وقد وضعه قريبا جداً بحيث أنها إذا تحركت في أي اتجاه, سيقطع حلقها. انهمرت الدموع على خديها, وهي تصارع من أجل أن تتنفس. لقد كادت أن تجنّ من تصرفها, كم كانت غبية. كان عليها أن تكون أكثر حذراً.

"هل عرفتي من أنا؟" سألها الرجل.

انحنى إلى الأمام, وشعرت بأنفاسه الساخنة الرهيبة على خدها, رأت وجهه. توقف قلبها, كان نفس الوجه من الحلم, الرجل بالعين الواحدة والندبة.

"نعم," أجابت, بصوت مرتجف.

لقد كان وجهاً تعرفه جيداً. لا تعرف اسمه, ولكن تعرف أنه منفذ المهمات. رجلٌ من الطبقة الدنيا, واحد من العديد من الرجال الذي كانوا ينفذون أوامر غاريث منذ كان طفلاً. كان رسول غاريث, يرسله لأي شخص يريد تخويفه أو تعذيبه أو حتى قتله.

"أنت كلب أخي," قالت في وجهه, بتحدي.

ابتسم, وكشف عن أسنانه المفقودة.

"أنا رسوله," قال. "ورسالتي وصلتك مع سلاح خاص لمساعدتك على تذكر ذلك. رسالته إليكِ اليوم هي التوقف عن طرح الأسئلة. رسالة لن تنسيها أبداً. لأنه حين أنتهي منك, سأترك على وجهك الجميل ندبة ستجعلك تتذكرينها طوال حياتك."

"لا!" صرخت جوين.

كانت تستعد لندبة ستغير حياتها كلها.

ولكن حين اقترب النصل من وجهها, حدث شيء. فجأة, انقض طائرٌ من السماء, يصرخ, ويتجه مباشرة نحو الرجل. اختلست نظرة نحو الأعلى وتعرفت عليه في آخر ثانية, إيستوفيليس.

انقض إلى الأسفل, وخدش وجه الرجل بمخالبه بينما أُسقط من يده الخنجر.

كان النصل على وشك أن يجرح خدها, عندما تغير اتجاهه فجأة. صرخ الرجل, أوقع الخنجر من يده, وأبعد يده عنها. رأت جوين ضوءاً أبيض يلمع في السماء, والشمس مشرقة وراء أغصان الشجر, وبينما طار إيستوفيليس بعيداً مرةً أخرى, عرفت أن والدها قد أرسل الصقر.

لم تكن تريد إضاعة الوقت, نظرت حولها, انحنت إلى الخلف واتكأت على يديها, وكأنها تدربت لفعل ذلك, ثم ركلت الرجل في صدره بقوة, بأقدامها العارية. تقلبت جوين, وهي تشعر بقوة ساقيها حين ركلته بقوة. لقد تعلمت ذلك منذ كانت صغيرة, فهي ليست بحاجة لأن تكون قوية لصد مهاجمها. كانت تحتاج فقط لاستخدام أقوى عضلاتها, فخذيها. وأن تحدد الهدف بدقة.

بينما كان الرجل واقفاً هناك, ينحني ويضغط بيده على صدره من الألم, تقدمت جوين نحوه وأمسكت بشعره من الخلف, رفعت ركبتها مرة أخرى, حددت المكان بدقة, ودفعت بأقوى ما لديها نحو أنفه.

سمعت صوت تحطمٍ أسعدها, وشعرت بدمه الحار يتدفق, وينزل على ساقها, يلطخها, حين تراجعت إلى الخلف, عرفت أنها كسرت أنفه. كانت تعلمه أنه يمكنها قتله, وأخذ ذلك الخنجر وغرسه في قلبه.

ولكنها وقفت هناك, عارية, تدفعها غريزتها لارتداء ملابسها والابتعاد عن هنا. لم تكن تريد أن تلطخ يديها بدمائه, مع أنه يستحق ذلك.

لذلك بدلاً من قتله, أخذت الخنجر ورمته في النهر, لفّت ملابسها حول جسدها. كانت مستعدة للفرار, ولكن قبل ذلك, التفت, وذهبت نحوه, وركلته بأقصى ما يمكنها في فخذه.

صرخ من شدة الألم, والتف على نفسه, مثل حيوان جريح.

كانت ترتعش من الداخل, حين شعرت بأنها كانت قريبةً من قتلها أو تشويهها على الأقل. شعرت بجرح على خدها, وأدركت أنها ربما تحمل ندبة, سطحيةً على الأغلب. شعرت بالصدمة. ولكنها لم تظهر له ذلك. لأنها في الوقت نفسه, شعرت أيضاً بقوة جديدة تندفع من داخلها, قوة والدها, سبعة أجيال من ملوك ماكجيل. وللمرة الأولى أدركت أنها قوية أيضاً, قوية مثل أشقاءها. كأيّ واحد منهم.

قبل أن تبتعد, انحنت إلى الأسفل, اقتربت منه كثيراً حتى تستطيع سماع تأوهاته.

"اقترب مني مرة أخرى," زمجرت جوين في أذن الرجل. "حينها سأقتلك بنفسي."




الفصل العاشر


شعر تور بنفسه يُسحب أعمق تحت الماء وعرف أنه في غضون لحظات سيصل إلى الأعماق ويغرق, إذا لم يُؤكل وهو على قيد الحياة. كان يصلي بكل ما لديه لينجو من هذا.

أرجوك, لا تدعني أموت الآن. ليس هنا, ليس في هذا المكان, ليس بسبب هذا المخلوق.

حاول تور أن يستدعي قواه, مهما كانت. حاول بكل ما لديه من قوة, أراد للطاقة الخاصة أن تتدفق عبر جسده, لمساعدته على هزيمة هذا المخلوق. أغلق عينيه وهو عازم على أن ينجح.

لكن شيئاً لم يأتِ. لم يحدث أيّ شيء. كان مجرد صبيٍّ عاديٍّ, عاجز, تماماً مثل أي شخص آخر. أين هي قواه في أكثر وقت احتاج به إليها؟ هل كانت قواه حقيقية؟ أو أن كل تلك الحوادث كانت صدفة؟

بينما كان يفقد تور وعيه, تتابعت سلسلة من الصور في عقله. رأى الملك ماكجيل, كما لو كان أمامه حقاً, يشاهده. رأى أرجون, ثم رأى جويندولين. كان ذلك الوجه الأخير هو الذي أعطاه سبباً للحياة.

فجأة, سمع تور صوتاً خلفه, ثم سمع صرخة المخلوق. التفت, وقبل أن يفقد الوعي, رأى ريس في الماء بجانبه. ممسكاً بسيفه, ويحمل رأس المخلوق المقطوع في يده. استمر رأس المخلوق, المنفصل عن جسده, بالصراخ, والدم الأصفر يتدفق منه.

شعر تور بالقبضة تنفك ببطء عن ساقه, حين اقترب ريس وحررها منه. شعر تور بساقة كما لو كانت مشتعلة, لقد أمل وصلى أنها لم تصب بضررٍ دائم.

شعر تور بذراع ريس تلتف حول كتفه, وشعر بنفسه يجر في طريق العودة إلى السفينة. رمش تور, بين الوعي وفقدان الوعي, وهو يرى بشكل خافت أمواج البحر الضخمة, ويشعر بنفسه يصعد ويهبط خلالها.

لقد نجحوا في ذلك, شعر تور بنفسه يُرفع نحو القارب, والفتية الآخرون يجذبونه نحوهم وكروهن على السفينة. وصل ريس إلى القارب أيضاً, وأخيراً, كان الجميع آمناً.

استلقى تور هناك, على أرضية السفينة, يتنفس بصعوبة, والسفينة ترتفع وتنزل في البحر, والأمواج تصطدم بها من كل جانب.

"هل أنت بخير؟" سأل ريس, جالساً بجانبه.

نظر تور إلى الأعلى ورأى كروهن يميل نحوه, ثم بدأ بلعق وجهه. مد تور يده وداعب فوره الرطب. أمسك تور يد ريس وسحب نفسه ليجلس.

نظر نحو ساقه, ورأى العلامات التي تركها المخلوق عليها, وقد تحولت ساق واحدة من سرواله إلى مجرد قصاصات من القماش. كان يمكنه رؤية العلامات الدائرية حيث كان يمتص دمه, فركهم بلطف, وهو يشعر بالندبات الطفيفة. لكن الآن بعد أن لمسهم, كان ألم الحرق قد اختفى. حاول ثني ركبته واستطاع ذلك. لحسن الحظ, أنها لم تكن بوضعٍ سيءٍ كما كانت يمكن أن تكون, ويبدو أنها كانت تشفى بسرعة.

"أنا مدين لك بهذا," قال تور, مبتسماً.

ابتسم ريس أيضاً.

"أعتقد أننا متعادلين."

نظر تور حوله ورأى العديد من الفتية الأكبر سناً يجدفون, في محاولة للسيطرة على السفينة وهي تهتز بعنف في الأمواج.

"ساعدوني!" صرخ أحدهم.

التفت تور و رأى العديد من الأولاد يقفزون من الحافة أو يدفعهم كولك وقادة آخرين خارج السفينة. لمح بينهم أوكونور, إيلدين, والتوأم. سقطوا جميعهم في المياه, يضربون بأيديهم وهم يتمايلون بين الأمواج. كان بعضهم يسبح أفضل من الآخر. وقد ظهرت حولهم مخلوقات من جميع الألوان والأشكال والأحجام.

"ساعدوني!" صرخ الصبي مرة أخرى, حين اقترب منه مخلوق عريض حرشفي, وضرب بزعانفه على وجهه.

ركض ريس نحوه, أمسك القوس والسهم, ورمى سهماً قوياً نحو الأسفل في المياه, مستهدفاً المخلوق. ولكنه أخطأه.

لكن ريس أعطى تور فكرة, وقف تور و نظر إلى الأسفل, وغمرته السعادة حين رأى المقلاع ما يزال عالقاً في حزامه. أمسك به, وضع الحجر الأملس الذي كان في حقيبته, حدد الهدف, وقذفه.

طار الحجر في الهواء وضرب المخلوق في رأسه تماماً, وأبعده عن الفتى, وجعله يسبح بعيداً.

سمع تور صيحة أخرى, التفت ورأى أوكونور مع مخلوق مختلفٍ جاثمٍ على ظهره. بدا هذا الوحش وكأنه ضفدع, ولكنه كان أسود الجلد, مع بقع بيضاء, وحجمٍ أكبر بعشرة أضعاف. كان لسانه الطويل يبرز من فمه وينزلق إلى الأسفل نحو رقبة أوكونور. زمجر المخلوق بضوضاء غريبة, وفتح فكيه واسعاً. نظر أوكونور إلى الوراء نحو كتفه برعب.





Конец ознакомительного фрагмента. Получить полную версию книги.


Текст предоставлен ООО «ЛитРес».

Прочитайте эту книгу целиком, купив полную легальную версию (https://www.litres.ru/pages/biblio_book/?art=43698183) на ЛитРес.

Безопасно оплатить книгу можно банковской картой Visa, MasterCard, Maestro, со счета мобильного телефона, с платежного терминала, в салоне МТС или Связной, через PayPal, WebMoney, Яндекс.Деньги, QIWI Кошелек, бонусными картами или другим удобным Вам способом.



Если текст книги отсутствует, перейдите по ссылке

Возможные причины отсутствия книги:
1. Книга снята с продаж по просьбе правообладателя
2. Книга ещё не поступила в продажу и пока недоступна для чтения

Навигация